ما يحدث من تغيرات حادة في منطقتنا والعالم حولها.. لها ما بعدها؛ ذلك أن تصاريف الزمن القدرية تجري بحسب قوانين السنن الإلهية، فلا يدري أحد ما ستكون عليه أحوال عالم اليوم بعد بضع سنين، حيث تسارعت حركة الأحداث؛ خاصةً بعد الحروب الحالية في أوكرانيا وغزة وأخيرا.. بين إيران وذيولها، وبين أمريكا وكلابها.
وكل هذا لحِكَمٍ إلهية، وهو ما يذكرنا بانقلاب أحوال العالم قبل البعثة النبوية في غضون سنوات معدودة، لسابق علم الله بقدوم نور النبوة بعد ظلام الجاهلية في ذلك العصر، فقد تغير وضع الزعامة العالمية من قيادة الفُرس إلى زعامة الروم في بضع سنين، بعد أن طحنت القوتان بعضهما بعد طول تناطح بينهما، ليكون ذلك تمهيدًا قدريًا لمجيئ زمان سيادة المسلمين بعد بعثة خاتم النبيين ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو ما أشار إليه القرآن العظيم في سورة الروم. حيث قال الله تعالى: ﴿الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ(4)﴾
لقد تزامنت أخبار انتصار الروم على الفُرس في وقت انتصار المسلمين في غزوة بدر التي كانت فاتحة لانتصارات المسلمين، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (5) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الروم: 4، 5] وقد نقل ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات عن الزبير بن عبد الله الكُلابي أنه قال لابنه: «رأيت غلبة فارسَ الروم، ثم رأيت غلبةَ الرومِ فارسَ، ثم رأيت غلبة المسلمين فارسَ والروم، كل ذلك في خمس عشرة سنة».
والعجيب أن الصراع الطويل بين الفرس والروم قديمًا؛ كانت تنعكس آثاره على دول الجوار، وبخاصة في جزيرة العرب وما حولها، واليوم يعود ذاك الصراع بين فارس والروم المعاصرتين، فيتنافسان على ذات الجزيرة وما حولها، فتكون نتائج تلك المنافسات صدامات بين وكلاء من الطرفين، تنتهي بتقاسم المصالح والمغانم بينهم، وتساقط المصائب والمغارم على غرمائهم، كلما أهملوا تصويب مسارهم وتصحيح مناهجهم.
لكن الإسلام الذي وضع بالفتوح قديمًا حدًا لتحَكُم طواغيت الفرس والروم في أراضي مهد النبوات ومهبط الرسالات؛ هو الذي يكف اليوم بأس العدوين الغريمين بأمر من عنده، وسيكفها في الغد القريب بأيدي المؤمنين من خلال فتوح المستقبل القريب التي أخبر عنها الصادق المصدوق في قوله ﷺ: (تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم تغزون فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله) أخرجه مسلم (2900).
…….
ملاحظة/ المقال فقرة من كتابي الأخير -تحت الطبع- بعنوان [نحو مشروع جامع لأهل السنة والجماعة].