د. عبد العزيز كامل يكتب: هكذا ينصر الله خير العباد
{فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}..
يطرح إمام المفسرين (ابن جرير الطبري) تساؤلا مهما عند تفسيره لقول الله تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر/٥١)..
فيقول:
«قد يقول القائل: وما معنى ذلك؛ وقد علمنا أن..
منهم من قتله أعداؤه ومثَّلوا به، كشعياء ويحيى بن زكريا وأشباههما..
ومنهم من همّ بقتله قومه، فكان أحسن أحواله أن يخلص منهم حتى فارقهم ناجيا بنفسه، كإبراهيم الذي هاجر إلى الشام من أرضه مفارقا لقومه..
وعيسى الذي رفع إلى السماء إذ أراد قومه قتله..
فأين النصرة التي أخبرنا أنه ينصرها رسله والمؤمنين به في الحياة الدنيا، وهؤلاء أنبياؤه قد نالهم من قومهم ما قد علمت، وما نصروا على من نالهم بما نالوهم به؟
ثم يجيب الإمام عن التساؤل الوجيه بإجابة أكثر وجاهة فيقول:
يقال لهم: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا):
إما بإعلائنا إياهم على من كذّبنا وإظفارنا بهم حتى يقهروهم غلبة، ويذلوهم بالظفر ذلة، كالذي فعل من ذلك بداود وسليمان، فأعطاهما من المُلْك والسلطان ما قهرا به كل كافر،
وكالذي فعل بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بإظهاره على من كذّبه من قومه
وإما بانتقامنا ممن حادّهم وشاقهم بإهلاكهم وإنجاء الرسل ممن كذّبهم وعاداهم، كالذي فعل تعالى ذكره بنوح وقومه، من تغريق قومه وإنجائه منهم.
وكالذي فعل بموسى وفرعون وقومه، إذ أهلكهم غرقا ونجى موسى ومن آمن به من بني إسرائيل وغيرهم ونحو ذلك.
أو بانتقامنا في الحياة الدنيا من مكذّبيهم بعد وفاة رسلنا من بعد مهلكهم، كالذي فعلنا من نصرتنا شعياء بعد مهلكه، بتسليطنا على قتلته من سلطنا حتى انتصرنا بهم من قتله.
وكفعلنا بقتلة يحيى من تسليطنا بختنصر عليهم حتى انتصرنا به على من قتله.
وكانتصارنا لعيسى من مريدي قتله بالروم، حتى أهلكناهم بهم.»
__________________________
هذا كلام الإمام عن نصر الله لأوليائه في الحياة الدنيا.
وأما يوم يقوم الأشهاد؛ أي: الملائكة يوم القيامة، فتكون النصرة -كما قال ابن كثير- أعظم وأكبر وأجل ” كما قال الله عز وجل:
{فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)} [من سورة إبراهيم].
والخلاصة.. أن الانتصار للمؤمنين والثأر لهم آت آت، في الحياة وبعد الممات..