د. عبد العزيز كامل يكتب: وقفات مهمة لفهم الأحداث المدلهمة (١)
غالب الأحداث المحلية في كل بلد؛ (وسوريا اليوم نموذجا).. لها علاقة وثيقة بأحوال المحيط الإقليمية، وتلك التحولات الإقليمية هي انعكاس لصراعات عالمية، وتبقى إرادة الله فوق كل الإرادات، لأنه تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ.. لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد/٢]
وبتدبيره تعالى تتهيأ الأحوال لحصول قضائه ووقوع تقديره في الكون، وهذا ما يعرف بـ(السنن الكونية الإلهية) فكما أن هناك أحكاما دينية شرعية، فهناك أحكام كونية قدرية، لا تتبدل ولا تتغير.. كما قال سبحانه: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الفتح/٢٣] وقال: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر/ ٤٣]
ومن تلك الأحكام والسنن الثابتة: أن (العاقبة للمتقين)، وأن الله (لا يضيع أجر المحسنين) وأنه تعالى (ولي المؤمنين) وقد تعهد بنصرهم ما داموا على المنهاج القويم: (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) وهو يبتليهم (حتى يميز الخبيث من الطيب) وأنه تعالى (موهن كيد الكافرين) وأن هؤلاء الكفار (يمكرون ويمكر الله وهو خير الماكرين) وأنه (لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) وأن تعالى (لا يصلح عمل المفسدين) وهو عز وجل: (يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته).. وغير ذلك كثير من السنن والقوانين المبثوثة في الكتاب والمفصلة في السنة.
وهذه الأحكام القدرية الثابتة؛ لا ينبغي فهم الواقع بمعزل عنها، ولا تجوز مجافاتها في التحليلات الآنية ولا التوقعات المستقبلية، فقوى العالم المعاصر مهما تجبرت واستكبرت وعلت. فإنه: (حَقٌّ علَى اللَّهِ أنْ لا يَرْتَفِعَ شيءٌ مِنَ الدُّنْيا إلَّا وضَعَهُ) كما جاء في البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن تطبيقات ذلك أن أمريكا التي طغت في البلاد فأكثرت فيها الفساد، هي وحلفاؤها؛ سيصيبها حتما داء الأمم الذي دلت عليه تلك السنة الإلهية الثابتة في قول تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا (فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) } [الطلاق]
وصنيعتها (إسرائيل) التي قد طغت وبغت وعلت علوا كبيرا، وعاد شعبها بعد تيه طويل للإفساد؛ سيسلط الله عليها بحكمه القدري عبادا له أولي بأس شديد، يجوسون خلال الديار ويتبرون ما علوا تتبيرا، وقدر الله النافذ عليهم سوف يراه الناس فيهم: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘوَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء/٨]..
أما أعوان الطغاة الكبار من العملاء المنافقين الصغار، فإن سنة الله فيهم تدور حول تلك الإرادة الإلهية القائلة:
{وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الانعام/١٢٩]
والمعنى- كما قال القرطبي – نسلط بعض الظلمة على بعض؛ فيهلكه ويذله.. كما قيل: (من أعان ظالما سلط عليه)..
فاللهم أهلك الظالمين بالظالمين.. وانصر عبادك المجاهدين، وأنج برحمتك المستضعفين من المؤمنين
اللهم آمين.
(وللحديث بقية بإذن الله)