د. عبد الغنى الغريب يكتب: وجوب ستر المسلم
المسلم الحق مأمور شرعاً أن يستر عيب أخيه إن رأي عيبا فيه حتى يستره الله في الدنيا والاخرة: من ستر مسلما ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة، إضافةً إلى أنه يجب عليه أن يلتمس الأعذار للآخرين، يقول أحد الصالحين: كنت ألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين، فإن لم أجد قلت لنفسي: لعل له عذرا آخر لا أعرفه.
للأسف الشديد نحن نتعامل مع غيرنا من منطلق سوء الظن، نظرةٌ سوداوية تحكم علاقتنا بغيرنا، فنضخم السيئة، ونتغاضى عن الحسنة، ونُقدم سوء الظن علي حسن الظن، مع أن التعاليم الإسلامية تُحذرنا أيَّما تحذير من سوء الظن بالأخرين، فربنا يقول: (إن يتبعون إلا الظن)، ورسولنا صلي الله علية وسلم يقول: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث.
إن الله يريد منا أن نحكم على الناس من خلال فترة زمنية متطاولة، نرصد فيها حسناتهم مع سيئاتهم، فإن غلبت الحسنات تغاضينا عن السيئات. هذا هو منطق الرب مع خلقة، يَزِنُنا بحسناتنا وسيئاتنا، ويتغاضى عن السيئات طالما كثرت الحسنات (فمن ثقلت موازينة فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون). بل إنه سبحانه وتعالي يمحو الصغائر طالما اجتُنِبت الكبائر، وهذا ما ينبغي ان نتعامل به مع الآخرين (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم).
بل إنه يمحو بالحسنات السيئات (إن الحسنات يُذهبن السيئات).
ينبغي إذا ان نعامل الناس بما يعامل الله به خلقة، وإلا فنحن نضع أنفسنا في مستوي يفوق عظمة الجبروت الإلهي… ربنا يحفظكم ويسعدكم.
وجوب ستر المسلم
إن منطق رب العزة سبحانه وتعالي يعلمنا أن نخرج من دوائر أنفسنا الضيقة، ومن حساسياتنا المحدودة، ومن النظر إلى ذواتنا نظرة ضيقة نخسر فيها الكثيرين لحساب إبليس، لا لحساب القيم الإسلامية الرفيعة.
ينبغي أن نتمثل القيم الرفيعة التي تمثلها رسول الله ﷺ، فلم ينس أبدا حسنة لمحسن حتى ولو كان كافراً.
نراه يقول يوم بدر: لو كان «المطعم بن عدي» حيّا ثم كلمني في هؤلاء الأسري لوهبتهم له. البخاري
إنه يعلمنا المنهج الأمثل في التعامل مع الفرد.
انظر إلى الشخص بجملته، وإن رصدت فيه سيئة فمن الإنصاف أن تحرص على رصد الحسنات، ولذلك قال ﷺ: لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ، أَوْ قالَ: غَيْرَهُ. مسلم
من أين أخذها الرسول ﷺ؟ أخذها المصطفى ﷺ من القرآن الكريم {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. التوبة١٠٢.
هل أنت على استعداد لأن تغفر لمن خلط معك عملا صالحا بعمل سيء؟
لقد تمثل الرسول ﷺ هذا الأمر وطبقه على أرض الواقع، مما يدل على أن المصطفى ﷺ عاش أفكاره وطبقها على أرض الواقع.
وإليكم النماذج الآتية: –
١- حينما أفشي «حاطب بن أبى بلتعة» المشركين بأسرار النبي ﷺ، أفشي لهم سر الدولة وقال لهم: إن محمدا يتجهز بجيشه للخروج إليكم، نزل «جبريل» وأخبر الرسول ﷺ بما قال به «حاطب»، وأخبر الرسول «حاطبا» واعترف «حاطب» بفعلته. وقف «عمر بن الخطاب» وهو يتعامل بمنطقنا نحن، منطق محو الحسنات بسيئة واحدة، وقال للرسول ﷺ: دَعْنِي يا رَسولَ اللَّهِ أضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقالَ له الرسول ﷺ يا عمر: إنَّه شَهِدَ بَدْرًا وما يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. «البخاري»
وقَبِل الرسول ﷺ عذره في صفح جميل وعفو نادر.
٢- موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع النُعيمان، كان في نهي الصحابة عن لعْنِه رغم شربه للخمر وإقامة الحدِّ عليه.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلاً على عهْدِ النبي ﷺ كان اسمه: عبد الله، وكان يُلَقَّبُ حِمَاراً، وكان يُضحِكُ رسولَ ﷺ، وكان النبيُّ ﷺ قدْ جلدَه في الخمر، فأْتيَ به يوماً فأمَرَ بِهِ فجُلِدَ، فقال رجلٌ مِن القوم: اللَّهُمَّ العَنْه، ما أكثر ما يُؤتَى به؟ فقال النبي ﷺ: لا تَلْعَنُوه، فوالله ما عَلِمْتُ إلَّا أنه يُحِبُّ اللهَ ورسولَه. «البخاري»
وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم لمن لعَنَه: لا تلعنْه، فإنه يحبُّ اللهَ ورسولَه.
منْ مِنا على استعداد أن يراجع نفسه على أساس هذا المنطق، فيتجاوز عن شربه للخمر لو شربها، بل عن زناه إن زنى؟
٣- الغامدية تأتى للرسول ﷺ وتقول له: إني زنيت فأقم عليَّ حدَّ الله وطهرني.
وكان ممن رجموها: «خالد بن الوليد»، وحين قذفها بالحجارة أتى الدَّمُ علَى وَجْهِ خَالِدٍ، فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ النَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سَبَّهُ إيَّاهَا، فَقالَ: مَهْلًا يا خَالِدُ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لو تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ له.
كفى بالمرء نبلا أن تُعد معايبه.
ومن الذي ما أساء قط؟
ومن الذي له الحسنى فقط؟
ومن الذي ما سقط؟
وأين هو الذي ما غلط؟
يا كثير الأخطاء أنسيت أن كل ابن آدم خطاء..
ربنا يحفظكم ويسعدكم ويستركم.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)