د. عبد الله كمال يكتب: الدين ليس بالمظاهر
كثيرا ما نسمع تلك العبارة فهل هي صواب, وما قدر الصواب فيها؟
والجواب:
أولا: ينبغي أن تعلم أن الأصل هو العناية بالباطن والقلب والمخبر بتحقيق الإيمان وتهذيب النفس, وأنه متى ما امتلأ القلب بالإيمان فاض على الجوارح فتزينت بزي الإسلام, فطالب الكمال يبدأ من الجوهر؛ , فالبناء لابد من قوة قواعده أولا ثم الاهتمام بزينته.
ثانيا: أنه هناك علاقة قوية بين المظهر والمخبر وهو الباطن فبينهما علاقة تأثر وتأثير إيجابا وسلبا فيؤثر المخبر على المظهر, وكذا العكس:
فمن يرتدي ملابـس جديدة وأنيقة لا ريب أنه سيشعر ولو بشيء من السعادة . فكذا التزي والاهتداء بمظاهر الإسلام يؤثر على نفسية المسلم.
لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح مناكب أصحابه في الصلاة، ويقول: «اسْتَوُوا ولا تَختَلِفُوا فتَختلِفَ قلوبُكمْ» فقد يؤثر المظهر وهو الاختلاف في تسوية الصف على المخبر والباطن وهو القلب.
والعكس فيؤثر الباطن على الظاهر؛ لذا قيل: «من كثرت صلاته بالليل ضاء وجهه في النهار».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «المشاركة في الهدي الظاهر، تورث تناسبا وتشاكلا بين المتشابهين ، يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال، وتدفع إلى المشابهة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدرج الخفي. فينتج عنه نوع مودة ومحبة». يعني يتدرج الأمر من مجرد المشابهة الظاهرة إلي مشابهة الباطن.
لذا حث النبي على عدم الانسياق وراء المظاهر الوافدة من ثقافات أخرى؛ لأنها تؤثر على الباطن كما قال ابن خلدون في مقدمته: «المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسّبب في ذلك أنّ النّفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه..» فنهى صلى الله عليه وسلم عن القزع. وقال: جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس. وأراد من المسلم أن لا ينساق وراء مظاهر غير المسلمين خوفا من أن تؤثر على باطنه ومخبره.
ويحصل الخلل في فهم ما سبق من جهتين:
1ـ أن يجعل المسلم المظهر لا الجوهر هو الأصل فيصرف جل اهتمامه للمظهر دون الجوهر، فمن الخلل أن تظهر سيم الإيمان على جوانب القلب وهي الجوارج وباطن القلب ليس كذلك وهو محل نظر الرب تعالى، ويتحدث مالك بن دينار عن هؤلاء فيقول: «تلقى الرجل وما يلحن حرفاً، وعمله كله لحن» لذا قال بعض أهل العلم: «ومنهم متصنع في الظاهر، ليث الشرى في الباطن» -سبع عادي- «يتناول في خلواته الشهوات، وينعكف على اللذات، ويري الناس بزيه أنه متصوف، متزهد، وما تزهد إلا القميص».
2ـ الخلل الثاني أن ينفي المسلم أن المظهر من الدين: وهذا خطأ سبق بيانه. قال حجة الإسلام الغزالي رحمه الله في كتاب الأربعين:
«اعلم أن مفتاح السعادة في اتباع السنة والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع مصادره وموارده وحركاته وسكناته حتى في هيئة أكله وقيامه ونومه ..».
ثم ذكر -رحمه الله- أنَّهُ لآ بُدّ من أَجْلِ تجلية مرآة القلب للحقائق على وجهها من التعديل و التصقيل و التنوير، وذكر أنَّ التعديل باتّباع السُنن العمليّة ..
الخلاصة:
أن المظهر من الدين وليس كل الدين.
أن الأصل هو تحقق القلب بالإيمان.
أن الكمال في الجمع بينهما.
أن المظاهر ليست كلها على درجة واحدة؛ فبعضها فيض إيمان، وبعضها متابعة لسنة النبي العدنان، وبعضها فرض كالحجاب.
فاللهم زينا بزي الإسلام وحقق قلوبنا بحقيقة الإيمان.