د. علاء فتحي يكتب: الغرب في عيون الرحالة العرب قديما وحديثا
تظهر أمامي تارة -دون دعبسة مني- فيديوهات لبعض الرحالة، يجوبون الدول الأوروبية. لا يمكث الواحد من هؤلاء الشباب كثيرا في البلد المزور، إذ لا تستغرق رحلتهم أكثر من يومين أو ثلاثة بحسب قولهم.
يجتهد الشباب اجتهادا مرهقا في عرض المشاهد المبهرة التي يرونها، وفضلا عن ترويجهم للمحتوى الذي يقدمونه لمتابعيهم -على ضعته وتفاهته وابتذاله-، فإنهم منبهرون بالنموذج الغربي انبهارا أعمى، تبدو خلاله الأنا العربية منسحقة مهزومة أمام الآخر الغربي المتفوق عليها.
صحيح أن الآخر الغربي متفوق جدا في العلوم الطبية والبحثية والعسكرية والتكنولوجية وعلوم الفضاء وغيرها من المجالات العلمية والثقافية والقوة المادية؛ لكنه على الرغم من ذلك كله له مشكلاته وتناقضاته ونقائصه، بل وجرائمه الشنيعة المتمثلة في الهيمنة على الدول الآمنة، ونهب خيراتها، وسلب حقوقها وحريتها، كذلك دعم الغرب الكبير والمتواصل للشذوذ والشواذ وغيرها من الطوام، لذا ينبغي أن يكون الموقف من الغرب متوازنا وحذرا وانتقائيا وغير مبني على الانبهار الغبي، والتسليم الأبله. كما يجب أن يحافظ الرحالة المنبهرين بالآخر الغربي في مراحل احتكاكهم به على دينهم وقيمهم وثقافتهم من الانسحاق أمام الآخر أو الذوبان فيه.
دون الشيخ رفاعة الطهطاوي رحمه الله رحلته إلى فرنسا في كتابه الشهير «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» وقد وضع نصب عينيه منذ اللحظة الأولى لوصوله باريس أن ينقل إلى أمته صورة لما عند الفرنسيين ليكون ذلك دافعا للأمة للإفاقة من غفلتها والاجتهاد في اللحاق بركب الحضارة واستعادة أمجاد الماضي العظيم، وراح رفاعة بين ما عندنا وما عندهم في عدل وثقة ويحكم لنا أو علينا دون أن يتعصب لأي من الطرفين.
الرحالة العربي الجاد صاحب الرسالة الحقيقية يدرك أنه حلقة وصل بين حضارتين وثقافتين مختلفتين تماما، كما يدرك أن دهشته لن تكون مقبولة، ما لم تكن مصحوبة بالحسرة والألم والتوجع على حجم الفارق الحضاري الكبير بين الأنا والآخر.
هل يعني هذا أننا لسنا في حاجة إلى الغرب؟
هل نرفض كل ما يتعلق بالغرب جملة وتفصيلا؟ أم أن الحكمة تقتضي أن تنقل الأمة عن الغرب ما تحتاجه من علوم شريطة ألا تنقل الأمة أسوأ ما وصل إليه الغرب .
صاحب الرسالة حين ينقل شيئا إلى بني قومه، إنما ينقله أملا في أن تنتقل الأمة نقلة حضارية، ما لم يتعارض ذلك مع قيم أمتنا ومبادئها ودينها.
الحضارة الغربية كما يقول الأستاذ الدكتور إبراهيم عوض: «ليست كلها معيبة، بل فيها جوانب عبقرية كالتقاني في طلب العلم، والحرص على النظام والنظافة، والتخطيط للمستقبل البعيد، والتبتل المرهق في أداء العمل وإتقانه، والسعي الجاد على المعاش، والطموح إلى المعالي والتوثب الفكري، والتقدم الصناعي، والاكتشافات العلمية المذهلة» فطوبى لمن فهم.