د. علاء فتحي يكتب: فلا نامت أعين الأخساء
في كتابه «خمس رحلات جزائرية إلى باريز» يضع بين أيدينا الدكتور علي تابلت الأستاذ بجامعة الجزائر، بعض نصوص الرحلة التي دونها هؤلاء «الرحالة» ولكم كتمت غيظي كثيرا وأنا أصف هؤلاء الأوغاد بالرحالة، وإني لأعتقد أن اللغة بأسرها لا تتسع لوصف وضاعتهم وبشاعة جرمهم وخستهم وخيانتهم!
من بين هؤلاء الرحالة، سليمان بن صيام والذي سافر إلى فرنسا سنة ١٨٥٢م بأمر من الوالي العام المارشال راندو، بالتوجه إلى باريس لحضور حفل توزيع الألوية على الجنود وكبار الجيش الفرنسي تحت إشراف نابليون الثالث.
بدأ سليمان بن صيام رحلته بحمد الله وشكر السلطان نابليون، إذ يقول:
نحمد الله حمد معترف بحقه، ونشكره على فضله ورفقه، الذي جعل الأرض ذلولا نمشي في مناكبها ونأكل من رزقه، وسخر لنا الفلك لتجري في البحر بأمره ووفقه، ونستوهب للمقام السلطاني النابليوني أعزه الله فخرا يتلى بالغرب المعمور وشرقا، أمرني من يجب علي امتثال أمره وهو والي قطر دايرة الجزائر صاحب الرأي السديد، والجود الذي ليس فوقه من مزيد، البطل الهمام والأسد الضرغام، سعادة السيد راندو، لا زال من ربه بعين العناية ملحوظا، ومن شر حساده محميا محفوظا، فامتثلت أمره السعيد وكان ذلك اليوم عندي كالموسم الجديد
ويواصل سليمان حديثه؛ لكنه هذه المرة يتحدث عن ملك فرنسا فيقول:
نذكر الآن بعض ما اتصف به سيدنا المعظم ملك دولة فرنسا المنصورة على سبيل الاختصار فنقول هو سلطان كبير فرع سلطان بالعدل والشجاعة شهير، ذو قدر جليل خطير، شهرته أغنى عن الوصف،
وفخره لا يحتاج إلى إيضاح ولا إلى كشف، فارس مضمار وبطل وغى، كرار ذو فتكات معروفة وعزمات موصوفة،
وكل الملوك بذلك يشهدون، وهو المعظم الأنجد سيدنا لوي نابليون أطال الله مدته، وأدام سعادته.
ما قاله هذا المجرم لم يكن سردا للرحلة ولا حكيا لتفاصيلها وأحداثها؛ بل كان تبييضا لوجه المحتل الغاشم، وغضا للبصر عن جرائمه الشنيعة بحق الجزائريين؛
بل لقد بلغ من الإجرام مبلغا حين يمدح هذا الدعي قاتل أهله وشعبه ويصفه بالشجاعة والإنصاف والعدل،
وهي صفات كبيرة لا تتوفر في الغزاة المجرمين، ولا يجب وصفهم بها ولا إلباسها لهم.
لقد نسي هذا المجرم أن الفرنسيين قد احتلوا بلاده الجزائر سنة ١٨٣٠م لكنهم فشلوا في إخضاعها كلها نتيجة للمقاومة الشعبية والحركة التحررية التي رفضت الاحتلال الغاشم من اليوم الأول،
ومنها على سبيل المثال:
مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري من ١٨٣٢م إلى ١٨٤٧م – مقاومة أحمد باي من ١٨٣٧م إلى ١٨٤٨م – ثورة محمد بن عبد الله من ١٨٤٥م إلى ١٨٤٧م مقاومة الزعاطشة من ١٨٤٨م إلى ١٨٤٩م – مقاومة الأغواط من ١٨٥٢م إلى ١٨٥٤م – ثورة القبائل من ١٨٥١م إلى ١٨٥٧م
وبقي الشعب الجزائري العظيم صامدا طيلة سنوات الاحتلال والحرب يقاوم كل أنواع البطش من اعتقالات تعسفية وترحيل وظلم كبير واثقا بنصر الله واندحار العدو المحتل، فلا نامت أعين الأخساء.