بحوث ودراسات

د. علي السباعي يكتب: الطريق إلى الله (4)

يقول ملحد ليبي «وأنا أعيش وأتنعم في هذه الحياة بجهدي وعملي ولا أعلم إلهاً يطعمني أو يسقيني كما لا أعلم أنه يطعم أحداً أو يسقيه، ومن يجهل ذلك فعليه بسؤال خمسة عشر مليون طفل يموتون سنوياً من الجوع، وإذا استغرقتك قراءة هذه المقالة خمس دقائق، فسيكون مئة وخمسون طفلاً قد ماتوا من الجوع عندما تنتهي من قراءتها وعندها ستعلم أن هذا الإله لا يملك طعاماً ولا شراباً يطعمه لأحد ولا يملك رحمة يوزعها على أحد ولا يملك حكمة نستطيع أن نستلهم منها شيئاً ما وإنما هي أضغاث أحلام توارثها الناس كابراً عن كابر لا تصمد أمام لحظة تفكر وتدبر» انتهى.

هذا ملحد كان يوما من الدهر مسلما يصوم ويصلي، ولكنه جهل الله وحكمته فكفر بالله العظيم، وهذا الكلام ونحوه منتشر بين الناس اليوم، فمقل ومستكثر، وإن كان لا يتكلم الناس به بهذه الطريقة الكافرة الفاجرة، وهذا الكلام الذي تفوّه به هذا الملحد جزء من مشروع إلحادي كبير كنتُ قد رددتُ عليه قبل سنين، وهذا الإلحاد أعلاه تم الرد عليه في أكتوبر 2010م، أعيد نشر الجواب كي تعم الفائدة ولعله يكون شفاء لما في الصدور!:

((ولي على ما تقدم من هذا الكفر والجحود التعليقات التالية:

أولا: قوله «وأنا أعيش وأتنعم في هذه الحياة بجهدي وعملي ولا أعلم إلهاً يطعمني أو يسقيني كما لا أعلم أنه يطعم أحداً أو يسقيه» انتهى.

قبل الإجابة على هذا الجحود لنعم الله أجدني مضطرا لضرب الأمثلة حتى نبسط هذه القضية إلى أبسط شيء ممكن، كي يتمكن القارئ -مهما كان مستواه الثقافي وإدراكه العقلي- من فهم الموضوع فهما جيدا:

«تصور أخي الكريم لو أنك أباً لمجموعة من الأولاد، تُذهب ليلك ونهارك من أجل توفير لقمة العيش لهم، وبعد أن أمضيت شهرا كاملا وأنت تشقى من أجل الحصول على مرتبك، وبعد حصولك عليه مررت على السوق واشتريت كل ما يشتهيه أبناؤك من خضروات وفواكه ولحوم وأجبان..إلخ ثم ملأت بهذه الخيرات ثلاجتك ومخازن مطبخك، استيقظ أحد أبنائك في الصباح فوجد تلك الخيرات التي تسُر الناظرين، فقرر أن يكون إفطاره في هذا اليوم السعيد «شرمولة»(1) وملحقاتها، فأخذ الزيت من هنا، والطماطم من هناك، والخيار، والزيتون…إلخ ثم صار يخلط تلك المواد بعضها ببعض حتى كانت في النهاية «شرمولة» مع ملحقاتها من زيتون وخبز وجبن…إلخ. دخلت على ابنك الذي يأكل شرمولته بنهم، فسُررتَ بهذا المنظر، وقبل أن تنصرف من عند ولدك قلت «يا ولدي أرجو أن تذكرني في دعائك بأن يمدني الله بالقوة والعافية فلولا أن الله مدني بالقوة والعافية لما جلبتُ لك هذه الخيرات، ولما كنتَ تنعم هذه الساعة بشرمولتك «فأجابك ابنك» أنا آكل وأتنعم بشرمولتي هذه بجهدي وعملي ولا أعلم أبا يطعمني أو يسقيني، فلولا أنني قمت في الصباح وبذلتُ جهدا وخلطت الشرمولة لما كنتُ تنعمتُ بها في هذا الصباح السعيد!» انتهى.

لا أعتقد أن عاقلا يُخالف في أن هذا الولد لئيم وعاق وجاحد لنعمتك عليه أوليس كذلك؟

فهل كان هذا الولد اللئيم العاق الجاحد ليأكل تلك الشرمولة لولا أنك قد هيأت له كل مكوناتها؟

هل كان استيقاظ ذلك الولد اللئيم العاق الجاحد في الصباح ليخلط مواد الشرمولة بعضها ببعض مبررا ليُنكر ويجحد الجهد والبذل والعرق والتعب والنصب الذي قمت به من أجل أن تهيئ له تلك المواد؟

أليس أنت هو الذي يُطعم الولد حقيقة وليس مجازا؟

ولكن لو سألنا أنفسنا هذا السؤال، لماذا أطلقنا على أنك أنت من يطعم الولد فماذا سيكون الجواب؟

أو دعونا نعيد السؤال بصيغة أخرى، ما هو مناط الحكم الذي به حكمنا على أنك أنت الذي يُطعم الولد حقيقة وليس مجازا؟

والجواب الذي لا يختلف حوله عاقلان، أنك أنت من وفّر مواد الشرمولة وجعلها في متناول يد ذلك الولد اللئيم العاق الجاحد.

يا أيها الإنسان (المسلم والكافر) تأمل في كل ما هو حولك، من ملبوس أو مركوب أو مأكول أو مشروب…إلخ من الذي أوجد لك موادها؟ وحتى لا يسرح خيالك بعيدا، انظر إلى كل ما هو حولك الآن وأنت تقرأ كلماتي هذه، تأمل فيه جيدا ثم اسأل نفسك هذا السؤال، من أين جاءت أصل هذه المواد؟ ومن الذي أوجدها؟ الطاولة أو المكتب الذي عليه جهازك من أين جاء الخشب الذي صنع منه؟ ومن أوجده؟ إذا كنت تجلس على كرسي ـ جلد، أو قماش، أو بلاستك…إلخ ـ من أين جاءت مادته؟ ومن الذي أوجدها؟ النافذة، الباب، الطائرة، السفينة، الساعة، الكمبيوتر، السيارة، الصاروخ، البترول، الخبز، الزميته، الكسكسي، البازين…إلخ من أين جاءت مواد هذه الأمور؟ ومن الذي أوجدها؟ هل بجوارك ابنا لك يلعب؟ إسأل نفسك من أين جاء هذا الولد (أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) افتح نافذة غرفتك لعلك ترى حمارا، أو حصانا، أو عنزة، أو دجاجة!، أو طائرا يطير بجناحين، من أوجد لك هذه الأنعام لتأكل لحمها وتلبس جلودها وتحمل أثقالك على ظهورها (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم).

نُشهدك يا رب في عليائك ونُشهد ملائكتك وجميع خلقك بأنك بَرُّ رءوف كريم رحيم، ونُشهدك يا رب في عليائك ونُشهد ملائكتك وجميع خلقك بأنك أنت المُنعم المتفضل علينا بجميع النعم، وما نحن ومن في الأرض جميعا (مسلمهم وكافرهم) إلا مُخلّطون ومستهلكون لنعمك التي أنعمتها علينا كما يخلط ذلك الولد اللئيم العاق الجاحد، وقليل منا من يشكرك، وغالب أهل الأرض لفضلك جاحدون (وقليل من عبادي الشكور).

أريد أن أضرب مثلا عمليا بالزميته ـ وفي رواية زميطة! ـ باعتبارها معلما من معالم الهوية الليبية. من أين جاءت الزميتة؟ فأحدنا يأخذ حبة الشعير أو القمح التي خلقها الله، ثم يأتي بحمار خلقه الله كي يحرث به الأرض التي خلقها الله [واليوم صارت تُحرث الأرض بمحاريث من حديد، والحديد خلقه الله أيضا] ثم يضع تلك الحبة في الأرض وينتظر نزول المطر الذي خلقه الله، ثم يُخرجها الله سنابل من القمح والشعير، فتُحصد وتُخلط وتُطحن، ثم لكي يُجعل منها زميتة لابد أن يُضاف لها الزيت، والزيت من الزيتون كما هو معلوم، والزيتون خلقه الله، فهذه قصة الزميتة أيها الأخوة، مجرد تخليط لمواد خلقها الله وأوجدها وهيّأها لنا، ثم لما نأكل من الزميتة حتى تنتفخ بطوننا نقول “وأنا أعيش وأتنعم في هذه الحياة بجهدي وعملي ولا أعلم إلهاً يطعمني أو يسقيني كما لا أعلم أنه يطعم أحداً أو يسقيه” فهل رأيتم جحودا وكفرا أعظم من هذا الجحود؟.

فخلاصة القول أخي الكريم، أن كل من هو فوق الأرض سواء الإنسان -المؤمن أو المُلحد- أو حتى الطير والزواحف والدواب والوحوش في الغابات والحيتان في البحار فالله وحده جل جلاله هو الذي يطعمه ويسقيه (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين). فبعض الناس يخلط مباشرة ويأكل، كحال الذين يعيشون في البادية والغابات والوديان والقرى، فهؤلاء يذهب أحدهم مباشرة فيأكل من الشجرة أو يصطاد صيدا أو يحصد الشعير والقمح أو يجني الزيت من الزيتون ..إلخ. وبعض الناس جعل لهذا الخلط قوانين، ولوائح، ومرتبات، وشركات متعددة الجنسيات، ومنظمات، وهيئات، ولجان متابعة، ومحاكم، وجيوش تحمي هذا الخلط، لكن في كلا الحالتين الجميع يخلط ويأكل من المواد التي هيّأها الله في هذه الأرض كما يخلط ويأكل ذلك الولد من المواد التي هيّأها له والده. وجميع المُخلطون من منظمات وحكومات وإمبراطوريات وسلاطين وملوك وقادة وزعماء يعجزوا جميعا على أن يخلقوا ذُبابة ولو اجتمعوا لها (وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز).

ثانيا: قبل أن نستمر في دحض هذه الشبهات التافهة لابد لي من بيان بعض الأمور:

أ ـ كما قررنا في النقطة الأولى أخي الكريم من أن الله جل جلاله خالق كل شئ، وهو بالتالي الملك الحكم، الذي لا مُعقب لحكمه، يفعل ما يشاء في مُلكه.

ب ـ ومع أن الله جل جلاله لا يُسأل عما يفعل ـ لو أراد الله أن يخسف الأرض ومن عليها فلا يستطيع أهل الأرض ومعهم أهل السماء أن يُراجعوا الله فضلا عن أن يُوقفوا هذا الخسف ـ إلا أن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون، فالله جل جلاله متصف بصفات الجلال والكمال فهو سبحانه العدل المطلق الذي لا يظلم مثقال ذرة.

ت ـ مما هو مقرر حتى عند البهائم أكرمكم الله بأن كل من على ظهر الأرض فهو ميت لا محالة (كل من عليها فانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام). وهذا كما قلتُ مقرر بالمشاهدة ولا يحتاج إلى دليل، وبناء عليه فالملحد لا يختلف معنا في قضية الموت (2)، أو بمعنى آخر الملحد غير معترض على أصل الموت، إنما معترض على طريقة الموت، وهذا فارق دقيق ومهم أخي الكريم أرجو أن تنتبه له، يقول «المُلحد» «خمسة عشر مليون طفل يموتون سنوياً من الجوع» ففي كلامه هذا ليس الاعتراض على الموت، إنما الاعتراض على موت الأطفال جوعا.

وها هنا سؤال مهم أرجو أن تنتبه له أخي الكريم:

(لو أن الناس كلهم ماتوا بعد مائة سنة من عمرهم وماتوا جميعا على فُرشهم وبجوارهم أقاربهم وأهليهم وبجوارهم جميع أصناف الطعام والشراب والزهور والورود أكنت تحكم على الله بأنه إله رحيم لطيف وهو الذي يُطعم الناس ويسقيهم؟). [وهذا السؤال يهدم كلامه من أصله ويهوي به في مكان سحيق فتأمل!].

ث‌ـ لندع الملحد يتأمل في هذا السؤال ولنتابع أخي الكريم موضوعنا، مما هو مقرر شرعا (في الكتاب والسُّنة) بأن الله حدد للإنسان عمرا معينا يموت فيه، وهذا مما استأثر بعلمه الله وحده جل جلاله، فلا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ‏وما تدري نفس بأي أرض تموت). وكذلك مما قرره ربنا أن طريقة إنهاء الآجال غير محددة، ولم يذكر لنا ربنا طريقة معينة نموت بها، وبالتالي ليس لمخلوق على وجه الأرض أن يحتج على الله إذا مات له قريب صغيرا كان أم كبيرا أو وسطا، وليس لمخلوق أن يحتج على الله إذا مات جوعا أو خنقا أو غرقا…إلخ.

ولتوضيح هذه المسألة سأجعلها في النقاط التالية حتى يسهل ضبطها:

ـ لو أن إنسانا مات وعمره 7 سنوات، هل موت هذا الإنسان مُخالف لما قدّره الله؟ والجواب قطعا لا، فالله لم يضمن لأحد سن معينة يموت فيها، فقد يموت الإنسان وهو طفل، وقد يُعمر حتى يصبح هرما.

ـ لو أن إنسانا مات جوعا، هل موت هذا الإنسان مُخالفا لما قدّره الله؟ والجواب قطعا لا، لأن الله لم يُحدد لنا الطريقة التي سنموت بها، فهذا يموت غرقا، والثاني يموت حرقا، والثالث يموت بالسيف، والرابع يموت على فراشه، والخامس يموت بسكتة قلبية…إلخ.

ـ هل حدد الله عدد الوفيات اليومي أو السنوي؟ هل قال الله بأنه لن يموت في اليوم إلا 10 أشخاص مثلا؟ والجواب قطعا لا.

فإذا أعود للهراء السالف «خمسة عشر مليون طفل يموتون سنوياً من الجوع» وأقول أين الإشكال؟ وأنا أقول ومثلهم ـ أو أكثر ـ يموتون بالقنابل والصواريخ!.

ومن لم يمت بالسيف مات بغيره.. تعددت الأسباب والموت واحد.

ج ـ وها هنا سؤال مهم أيضا أرجو أن تنتبه له أخي الكريم، هل موت هؤلاء الأطفال جوعا ناتج عن قلة الطعام في الأرض؟ أم ناتج عن احتكار جهات ما لهذا الطعام الوفير؟.

والجواب الذي لا يختلف حوله عاقلان بأن الخيرات والثروات الموجودة فوق الأرض وباطنها تكفي 10 أضعاف سكان الأرض وزيادة!، وقد بلغ ببعض الدول الإستعمارية أن ترمي القمح وغيره في عرض البحر، فإذا قطعا هذا الجوع ناتج عن تسلط القوي على الضعيف، وهذا يقودنا إلى نتيجة مهمة وهي، أن الله خلق الأرض وملأها بالخيرات وأنزل لنا تعاليم (القرآن والسُنة) إذا أخذت البشرية بهذه التعاليم فلن ترى فقيرا ولا مسكينا ولا محتاجا، وقد بيّن الله هذا لأهل الكتاب من قبلنا (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُون).

بل إن البشرية لو التزمت بأوامر الله فحتى الحيوانات لن ترى الجوع والعطش، قال رسول صلى الله عليه وسلم “بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيه فشرب، ثم خرج فإذا بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل:لقد بلغ هذا من العطش مثل الذي كان قد بلغ منى، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسك بفمه، حتى رقى فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجر؟ فقال في كل كبد رطبة أجر» متفق عليه.

قال الحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث «وفيه الحث على الإحسان إلى الناس، لأنه إذا حصلت المغفرة بسبب سقي الكلب فسقي المسلم أعظم أجرا، واستدل به على جواز صدقة التطوع للمشركين، وينبغي أن يكون محله ما إذا لم يوجد هناك مسلم فالمسلم أحق، وكذا إذا دار الأمر بين البهيمة والآدمي المحترم واستويا في الحاجة فالآدمي أحق ، والله أعلم» انتهى. وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن امرأة بغيا رأت كلباً في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها ـ أي استقت له بخفها ـ فغفر لها». وفي مسند الإمام أحمد وصححه الشيخ الألباني عن عبد الله بن عمرو أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم «فقال إني أنزع في حوضي حتى إذا ملأته لأبلي ورد عليّ البعير لغيري فسقيته، فهل في ذلك من أجر؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في كل ذات كبد أجرا».

فماذا يريد الناس من الله أكثر من هذا؟ ملأ لهم الأرض بالخيرات ثم أمرهم بالإحسان للفقير والمسكين والمحتاج.. بل حتى للحيوانات، فكفروا بنعمة الله عليهم وأحلوا قومهم دار البوار (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون). تصور أخي الكريم لو أن لك مجموعة من الأبناء، تركتَ لهم غرفة مليئة بالطعام والشراب ثم أوصيتهم وبينت لهم الطريقة السليمة لاستهلاك هذا الطعام، فتقاتل هؤلاء الأولاد وأحرقوا ذلك الطعام فصاروا بعد ذلك فقراء عالة يسألون الناس إلحافا، فهل الخلل فيكَ أنتَ أم في هؤلاء الأولاد السفهاء؟.

ح‌- والله الذي لا إله غيره ولا رب سواه لو أن الله خسف الأرض ومن عليها فقط لوجود هذا «الملحد الليبي» بينهم لم يكن الله ظالما لهم، فكيف وغالب أهل الأرض كُفار تنكروا لهذا الخالق العظيم؟ غالب أهل الأرض اليوم يعبدون آلهة شتى، غالب أهل الأرض اليوم هم في حقيقة حالهم عبدة للشيطان، غالب أهل الأرض اليوم سلكوا كل الطرق إلا الطريق الموصل إلى الله، حتى المسلمين عامتهم يعبد الله على حرف، عامتهم يعبد مع الله آلهة أخرى من أوثان وأصنام وقبور وشيوخ وحركات وملوك وزعماء ونظريات..إلخ. هذا غير الفواحش والمنكرات والموبقات العظام كالزنا وأكل الربا وأكل حقوق العباد وقتل النفس التي حرم الله والظلم وعقوق الوالدين والغش والكذب والزور والبهتان…إلخ. فبقاءنا فوق هذه الأرض نتنعم بالنعم التي أوجدها الله مع موت بعضنا جوعا أو غيره هو محض فضل الله وكرمه وجوده علينا فقط، وإلا نحن جميعا مستحقون للعذاب والفناء (عربا وعجما) إلا طائفة من المؤمنين أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)). انتهى الرد على المُلحد.

أقول:

أسألك بالله أخي الكريم أما شعرت بالخجل والحياء من هذا الرب الكريم الجليل الرحيم؟ فإن لم يتغشّاك الحياء والخجل، فاستمر في متابعة المقالات القادمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملاحظة: هذه السلسلة من المقالات تسعى للإجابة على أسئلة خطيرة تتعلق بصفات الله وأسمائه وأحكامه وقدره وتدبيره في خلقه، فلا يصلح إلا قراءتها مرتبة من أول مقال إلى آخر مقال فيها.

1- «الشرمولة» هي طبق يطهى في صفاقس يوم عيد الفطر. وهي عجينة زبيب تطهى مع البصل في زيت الزيتون ثم تضاف إليه التوابل.

2- سأتكلم عن قضية الموت في مقال مستقل إن شاء الله.

د. علي السباعي

كاتب وباحث أكاديمي ليبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights