الأثنين مايو 20, 2024
مقالات

د. علي الصلابي يكتب: حياة بني إسرائيل في مصر

بدأت قصة بني إسرائيل في مصر بعد مجيء يوسف (عليه السلام) إليها، ودعوة والده وإخوته للمقام فيها، بعد ما تمكّن في الحكم، وأصبح الرجل الثاني فيها؛ وقصّت علينا سورةُ يوسف الأحداثَ العجيبة والمثيرة التي جرت ليوسف (عليه السلام)، منذ أن كان طفلاً صغيراً يكرهه إخوته الكبار ويغارون منه، إلى أن صار رجلاً عظيماً محفوفاً برعاية الله عز وجل.

ولقد هاجر يعقوب (عليه السلام) ومن معه من الأبناء وزوجاتهم والأحفاد إلى مصر بدعوةٍ من ملكها، ومن نائبه يوسف (عليه السلام)، وذلك في القرن السادس عشر قبل الميلاد، وكان عمر يعقوب مئة وثلاثين سنة، وقد استقبله ابنه يوسف استقبالاً حافلاً، ثم استقبله ملك مصر -كان من الهكسوس- ورحّب الملك بوالد يوسف وإخوته أجملَ ترحيب، وعاش يعقوب في أرض مصر مُعزّزاً مُكرّماً سبع عشر سنة، حتى صار مجموع عمره مئة وسبعاً وأربعين سنة كما تذكر بعض كتب التاريخ، ثم حضرته الوفاة وكان قد أوصى أبناءه بهذه الوصية التي أخبر القرآن عنها في اللحظات الأخيرة من حياته (عليه السلام)، وكانت في مصر وبين أولاده: قال الله تعالى:﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)﴾ [البقرة: 132 – 133].

عاش بنو إسرائيل في مصر محفوفين بالتكرمة وصنوف الامتيازات، وطاب العيش لهم أرض الكنانة، وكان يوسف (عليه السلام) يحظى باحترام كبير في مصر، وذكر الله عز وجلّ لنا في كتابه العزيز دعاءً ختامياً ليوسف (عليه السلام)، فقال تعالى: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ  فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ  تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف: 101]، وقد أشار القرآن الكريم إلى وفاة يوسف (عليه السلام) على لسان مؤمن آل فرعون، عندما خاطب قومه ودعاهم إلى التوحيد؛ فجاء في ذلك قوله تعالى:﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ  حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾ [غافر: 34].

لقد عاش نبي الله يوسف (عليه السلام) في مصر داعياً إلى توحيد الله عز وجل وإفراده بالعبادة في سجنه وفي قصره ووظف منصبه الكبير توظيفاً دعوياً، وقدّم الآيات البينات على نبوته، والبراهين على دعوته، فآمن به من هداه الله إلا قليلاً من الناس ﴿فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ﴾ وعبّر المصريون عن معارضتهم لدعوة يوسف (عليه السلام) بعد وفاته وهلاكه، فما إن توفِّي حتى قالوا: لن يبعث الله من بعده رسولاً، وكأنهم ارتاحوا لأنهم تخلصوا منه ومن دعوته. ولعل القرآن الكريم عبر عن موت يوسف بالهلاك؛ لأجل عدم استجابة أهل مصر لدعوة يوسف (عليه السلام). والله سبحانه وتعالى أعلم.

ولا تتحدّث النصوص القرآنية والحديثية عن بني إسرائيل بعد يوسف (عليه السلام)، ولا تُشير إلى ما جرى لهم في هذه الفترة من قرب عهد موسى (عليه السلام)، ولا تبيِّن كم بقي بنو إسرائيل في مصر في تكريم وإعزاز، ولا تحدد الفترة التي بدأ فيها اضطهاد الفراعنة لهم وتعذيبهم.

استطاع الفراعنة بقيادة أحمس أن يهزموا الهكسوس، وأن يُطهّروا بلادهم من ملوك الهكسوس، ويطردوهم من مصر، فتغيرت الأحوال على بني إسرائيل، ودخلت مصر في طور جديد من الحكم الفرعوني. ولما انتقل الحكم في مصر إلى الفراعنة، قاموا باضطهاد بني إسرائيل وتعذيبهم بسبب أنهم اعتبروا الإسرائيليين أعوان للهكسوس المستعمرين الغزاة، ولهذا صبُّوا غضبهم عليهم، ونسي الفراعنة فضل يوسف (عليه السلام) عندما ولي أمرهم وحكم مصر في أزمة اقتصادية حادة؛ تمثلت في سبع سنوات عجاف قاحلة، خرج منها يوسف بأهل مصر بسلام وأمان. وكان بنو إسرائيل في مصر مؤمنين بالله، وموحدين له، في حين كان المصريون كافرين مشركين بالله يعبدون الأوثان والأصنام ويعبدون فرعون نفسه إلهاً، وهذا من أسباب العداوة بين الطرفين؛ فريق الإسرائيليين المؤمنين بالله رب العابدين له، وفريق المصريين المشركين بالله العابدين لفرعون. وقد أشارت آيات القرآن إلى مظاهر فساد حكم فرعون، وذكرت نماذج من اضطهاده وتعذيبه لبني إسرائيل. أصبح بنو إسرائيل جماعة غير مرغوب في بقائهم، فأذاقهم المصريون شتى ألوان العذاب، واتخذوا منهم عبيداً في بيوتهم وأُجرَاء في أراضيهم، وأجبروهم على تعبيد الطرق، وشق الترع وبناء المعابد والمقابر.

المراجع:

– علي الصلابي، الأنبياء الملوك، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 30-33.

– علي الصلابي، موسى كليم الله عدو المستكبرين وقائد المستضعفين، دار ابن كثير، ط1، 2021م، ص 70-71.

– سعد الدين صالح، العقيدة اليهودية، دار الصفا، ط2، 1990م، ص 57.

Please follow and like us:
د. علي الصلابي
مؤرخ وفقيه ومفكر سياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب