بحوث ودراسات

د. علي قاسم يكتب: رسالة عاجلة إلى الأمة

كالعادة حدث خلاف في تحليل خطاب الناطق الرسمي للمقاومة، وعند التأمل وجدت أن سبب ذلك راجع إلى:

الطرفية الشديدة والتعميم المتسرع عند أكثر المحللين..

✒️حيث يقوم الفريق الأول بالتصويب المطلق لكافة أقوال وأفعال المرابطين وقياداتهم إحساناً للظن بإخواننا من جهة، ودفعاً لحالة الانهزامية التي يعيشها العالم السني من جهة أخرى مما أدى بكثير من أتباع هذا الفريق إلى هذا الموقف، بل إن بعضهم قد وصل _ بشكل عاطفي لا شعورياً _ إلى ادعاء عصمة إخواننا وقياداتهم

➖ الفريق الثاني يرى التخطئة المطلقة لأقوال وأفعال ومواقف المرابطين وقياداتهم لأسباب كثيرة يأتي في مقدمتها:

الاستجابة لضغط الواقع العالمي والإقليمي والمحلي، والنظرة القاصرة للأوضاع ومدى تعقيدها، فضلاً عن إلف حالة الانهزامية والانكسار والتقوقع والانحسار التي تربت عليها الأجيال منذ عقود

➖ وبين هؤلاء وأولئك نرى فئة قليلة رزقت البصر والبصيرة في إدراك واقعها، واستشراف مستقبل أمتها، وقد تخلقت بالعدل والحكمة والإنصاف.. ورأى هؤلاء ما يلي:

⬅️ ما حدث في السابع من أكتوبر كان مفاجأة مذهلة للجميع، فلم يكن متوقعاً في ظل السياقات التي عشناها أن يحدث مثل هذا الحدث المباغت، وبالتالي فلابدّ من تباين الرؤى والأنظار والأفكار في تقييمه وتحليل أسبابه ودوافعه ومآلاته..

⬅️شجرة الزيتون والنخلة لا تؤتي أُكلها إلا بعد سنوات طويلة من التعهد بالزرع والسقي، ثم تظل لمئات الأعوام تعطي ثمر، كذلك فإن الأحداث الكبرى لا تقاس بالنتائج الآنية، ومنها _السابع من أكتوبر _ التي تعدّ استثماراً طويل الأجل، لا تُجنى أرباحه خلال الأعوام الأولى، ولا تُحسب نتيجته في وقت دفع التكاليف وقلة العوائد.

 ولا أنكر أن التكلفة الآنية التي يدفعها أهلنا في القطاع وغيره باهظة؛ إلا أن عوائده ستظل تُجنى أعوامًا طويلة، ولعلها إرهاصات التحرير للأقصى والمسرى بإذن الله تعالى..

وعليه..

وعليه.. وبعيداً عن السطحية والقفز على الواقع…فإن فالسابع من أكتوبر يوم من أيام الله، حقق شيئاً من شرف الدفاع عن الأمة، وكسر شيئاً من كبرياء وغطرسة العدو، وإن شاء الله له ما بعده، كيوم استرداد عماد الدين زنكي للرها حيث كانت بداية لاعتدال الميزان وتغير المنحنى

⬅️ عند تأمل قول الله:

﴿كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهࣱ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تُحِبُّوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ شَرࣱّ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾

سيدرك العقائديون أننا _ في مثل هذه الأحداث _ أمام إحدى الحسنيين:

 إما “نصر وظفر وغنيمة أو شهادة ونعيم وجنة “..

👈فإن رجى قوم الجائزة الأولى ومالوا إليها، فليس لهم أن يلوموا قومًا راقت لهم الجائزة الأخرى، كما قال ربنا:

(وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون)

 ⬅️ من الطبيعي والمتوقع بعد مرور عام كامل على تلك الحرب الإجرامية أن نجد اختلافاً بين صانعي القرار، ومن تأثروا بمآلات وتداعيات هذا القرار…

وهذا يفسر لنا طبيعة تباين ردود أفعال أهلنا في أرض الرباط، فمنهم الثابت الصابر الذي زادته الأحداث يقيناً وإيماناً، ومنهم من خارت قواه، وانفك عزمه بسبب ما تعرض له من أهوال يشيب لها الوليد..

زد على ذلك أن هؤلاء جميعاً لم يتوقعوا حجم الخيانة التي مورست عليهم، فضلاً عن خذلان الكثيرين لهم مما زادهم كمدًا وعنتاً وحزناً، وساعد شياطين الإنس والجن في اختلاس صبرهم وعزمهم، وسهّل لهم الفتّ في عضدهم.

 ⬅️ من الخلق والعقل والإنصاف..

أن نتقبل ردود الأفعال الساخطة الغاضبة هنالك، وأن نسعى لاحتواء أهلنا هنالك فهم في مرمى النيران، وهم من سطروا ولازالوا يقدمون أروع الملاحم رغم حجم المؤمرات.

⬅️ بدلاً من الانشغال بلوم أهلنا في أثناء مقاومتهم للأعداء، فإن من الواجب تذكير إخواننا المرابطين والحاضنة الشعبية لهم بمدى عظم أجرهم يوم القيامة..(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (157)

⬅️ هل كان القرار بخوض تلك الحرب صحيحاً أم غير صحيح؟

والجواب:

هذا أمر يقدره العلماء والمرابطون هنالك، إذ إن للجهاد فقهاً شرعياً ومصلحياً لا يدركه إلا أهله المتخصصون فيه، وليس لكل أحد من الناس أن يخوض في ذلك، وليس للعامة تقييم الأوضاع من منظور عاطفي، بل لابدّ من تقييم الأمر بطريق شرعي علمي للنظر في مآلاته المصلحية..

لكن من المعلوم للجميع أن 

١- قرار الحرب يكون للقادة وليس للعامة، وهذا معلوم للجميع فمثلاً: حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ م لم يرجع فيه لآراء جدك وجدي؟ كذلك: حرب اليمن وحرب فلسطين 48 وهكذا..

➖أمريكا حين عزمت على القيام بحرب العراق وأفغانستان وفيتنام لم تقم بعمل استفتاء شعبي؟

٢- في مصر:

 لما قامت المقاومة الشعبية في السويس بدورها في مقاومة العدو، حدثت نتائج صعبة على السويس كلها، لكن لم نسمع من لامهم على ذلك، بل على العكس تعتبر المقاومة الباسلة هنالك مضرب الأمثال؟

– في الجزائر:

المقاومة الجزائرية بدأت بـ400 شخص سنة ١٩٥٤ م، واستمرت على مدار 8 سنوات حروب ومعارك وآلام وقتل وتدمير، فضلا عن 122 سنة قبلها من المقاومة بكل أشكالها وواحدة منها جعلت فرنسا تقتل ما بين 45 إلى 100 ألف إنسان في أحداث مايو 1945م، فهل لامهم الناس؟

٣- التدافع بين الحق والباطل سنة الله تعالى الكونية والشرعية منذ بداية الخلق وستسمر إلى يوم القيامة، وفي سبيل ذلك نحد العديد من المآسي والمذابح والآلام، ولا يمكن للحق أن ينتصر بالشعارات أو المشاعر القلبية العاطفية فحسب، بل ينتصر بالتوكل الشرعي على الله، والأخذ بكافة الأسباب الأرضية المتاحة والمباحة، وهذا ما حدث في السادس من أكتوبر، والسابع من أكتوبر…

 ⬅️الصحيح أن نتفهم أن أي تحليل سلبي نقرأه أو نسمعه من أناس تحت وطئة القصف المستمر هو تحليل مأزوم لا قيمه له من الناحية النقدية التاريخية..

➖ يختلف الحكم عند سماع نوعين من الخطابات داخل عالمنا:

✒️ خطابات التهليل المطلق من العاطفيين الذين يريدون منا أن نعيش داخل السرب، وألا نفكر خارج الصندوق

✒️وخطابات التهوين والتخذيل التي يروج لها البعض ممن لم يعيشوا تلك الأجواء، ورغم ذلك تراهم يثرثرون على مواقع التواصل عن تداعيات السابع من أكتوبر على الداخل الفلسطيني والخارج،

وترى من يسارع في تخطئة أهلنا في أرض الرباط، ويصب جام الغضب عليهم، وأمثال هؤلاء لا يسمع لهم فهم -في الغالب- مخترقون عقديًا، ومستلبون حضاريًا ومنهزمون نفسيًا..

⬅️ نحسب أن المرابطين الصامدين هنالك قاموا بواجب الكفاية عن الأمة، لكنهم _ رغم شرف ما قدّموا من بذل _ بشر يصيبون ويخطئون، وهذا أمر مقرر فإن خالد بن الوليد جانبه الصواب في قرار من قرارته عندما أرسله رسول الله في سرية، فما كان من رسول الله إلا الاستنكار عليه، وآل الأمر برسول الله أن قال (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)

⬅️ ليس من الحق…

 أن يترك العلماء الربانيون -ممن اكتملت آلة الاجتهاد لديهم في النوازل- النصيحة للمرابطين إذا بدا منهم خطأ أو جانبوا الصواب، بل الواجب عليهم أن يخلصوا النصيحة لهم، وأن يقولوا لهم عند الإصابة أصبتم، وعند مجانبة الصواب للحق جانبتم، وتكون النصيحة للفصائل وغيرهم بالطرق الشرعية دون تهوين أو تهويل -لاسيما- في أوقات احتدام المعارك بين إخواننا وأعدائهم..

⬅️ لابدّ من بيان أصول السياسة الشرعية والتحذير من خطر التماهي

مع السياسات الوضعية بحجة تلاقي الإرادات، أو تقاطع المصالح..

⬅️ لابدّ من بيان حقيقة أن قضية القدس والأقصى أكبر من قرارات وممارسات فصيل أو جماعة -مع عدم التشكيك في نوايا وتضحيات هذا الفصيل المقاوم- (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)

⬅️ لابدّ من تحذير المرابطين وقياداتهم من خطر الغلو بدعوى:

 فقه الواقع وتغليب المصالح الحركية على محكمات الشرع وثوابته

⬅️لابد من بيان خطورة المبالغة في تمجيد بعض رموز الرافضة لمساندتهم للأمة في بعض المواقف، وضرورة التمييز بين:

 👈الرافضة وغيرهم من سائر طوائف أهل القبلة التي لم تخرجهم بدعهم عن الملة، مثل: المعتزلة والخوارج والقدرية والمرجئة، حيث إن بدعهم نتجت عن خوضهم في مسائل دقيقة بتأولهم أو بأهوائهم مع حسن قصدهم وتعظيهم للقرآن والسنة والدين، بخلاف الرافضة الذين ارتبطت بدعهم بالزندقة، والطعن في الدين وتكفير الصحابة، إضافة إلى بدع معاصرة لا يشك في كفرها من اطّلع على مقالاتهم.

👈 كذلك فلابد من بيان تلك الحقيقة:

أن الرافضة المعاصرين ليسوا مجرد طائفة لها خلافات عقدية مع أهل السنة، بل إنهم ينفذون مشروعًا طائفيًا توسعيًا استهدف السيطرة على أربعة عواصم سنية، وأوغلوا في دماء أهلها، مفضلين الانتقام من أهل السنة على قتال الكفار الأصليين، لذا فلسنا نتحدث عن طائفة مسالمة، بل عن طائفة محاربة تستأصل شأفة أهل السنة كما حدث في سوريا والعراق واليمن وغيرها..

⬅️ لابدّ من بيان أن دماء المسلمين متكافئة ولا يرخص بعضها بعضاً، فدماء المسلمين في سوريا = دماء أهلنا في أرض الرباط..

⬅️ لابدّ من الحذر من الغلو في الصرامة في التقييم العقدي والتنظير المنهجي -خاصة- في أزمنة الاستضعاف وتكالب الأعداء على الأمة، مما يزيد المسلمين وهناً وتقسيماً وتشرذماً، ويجعل أهل السنة مفتتين أمام أعداء مجتمعين على اختلاف مكوناتهم..

⬅️ لابدّ من التحذير من قالة السوء والطابور الخامس من المنافقين..

وهذا يحتم علينا بيان أن عملية إشعال ذلك الحريق الهائل في الوعي العربي والوجدان الإسلامي عن طريق بث الشبهات الممنهجة يكشّف لنا أنها نتاج صناعة فكرية ثقيلة يُنفَق عليها ببذخ، ويُجنّد فيها أشباه المثقّفين والعملاء من الإعلاميين ليعملوا بلا كلل أو ملل في مشروع هدم قواعدَ المنطق والأخلاق، ومرتكزات الهُويَّة الحضارية والثقافية، واقتياد المجتمع المسلم إلى حظائرَ الدونية الحضارية”.

⬅️ وأخيراً.. لا تدع اختلافك مع طرح أو ممارسة البعض ينسيك أخوتك لهم، وينسيك قضية القدس وأنها قضية إسلامية ليست قومية أو قطرية أو وطنية أو قضية أرض وتراب -كما يزعم الزاعمون-، ولله درّ الرافعي حين قال في كتابه «وحي القلم»..

 أيها المسلمون: ليست هذه محنة فلسطين، ولكنها محنـة الإسلام، يريدون ألّا يُثبِت شخصيته العزيزة الحرة!

أولئك إخواننا المنكوبون؛ ومعنى ذلك أنهم في نكبتهم امتحان لضمائرنا نحن المسلمين جميعاً، ماذا تكون نكبة الأخ إلّا أن تكون اسماً آخر لمروءة سائر إخوته أو مَذَلّتِهِم؟

د. علي قاسم

داعية إسلامي لا ينتمي لجماعة حاصل على الدكتوراه في اللغة العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights