د. علي محمد عودة يكتب: حملة الأطفال الصليبية
حدثت حملة الأطفال الصليبية سنة 609 هجرية وهي تبين الى أي مدى كانت الروح الصليبية منتشرة في الغرب في تلك الحقبة فقد تسلطت الشياطين على المجتمع الغربي الصليبي فأصبحت تؤزهم أزاً.
فقد زعمت المصادر الغربية أن المسيح (بزعمهم) ظهر لهم ثلاث مرات مصلوبا في السماء في مقاطعة كولونيا في المانيا وأنهم شاهدوا مئات الصلبان تسبح في السماء وكل تلك الرؤى الشيطانية ليزدادوا ضلالا على ضلالهم.
ومن ضمن تلك الخرافات والرؤى الشيطانية أن فتى فرنسي يسمى ستيفن كان راعيا للغنم ادعى ان المسيح ظهر له وكلفه برسالة وهي أن يدعو الى حملة صليبية جديدة فاقتحم ستيفن فجأة مجلس الملك الفرنسي فيليب أغسطس الذي سبق وان اشترك في الحملة الصليبية الثالثة ضد صلاح الدين وابلغ الملك انه مرسل من قبل المسيح ولكن الملك الفرنسي استخف به وطلب منه ان يترك هذا الامر للملك وامرائه ، وامره ان يعود الى بيته ولكن ستيفن أعلن انه سيقود حملة من الاطفال لاسترداد البلاد المقدسة في بلاد الشام من المسلمين وانتزاع بيت المقدس من أيديهم واعلن ستيفن ان المسيح أخبره بأنه ستحدث معجزة
وهي ان البحر سينفلق له ولجيشه من الاطفال مثلما انفلق لموسى وقومه وسوف يمشون في قاع أرض البحر حتى يصلون الى الشام وكان ستيفن خطيباً مفوهاً فتأثر به الاف الاطفال وأنظم الى حملته نحو خمسين ألف طفل تتراوح أعمارهم ما بين الثانية عشرة والخامسة عشرة من السنين من جمبع أنحاء فرنسا ، وصنع له بعض اتباعه عربة مسقوفة تقودها الخيول لتقيه من حرارة الشمس باعتباره في نظرهم رسول نبي مرسل من قبل ربهم المسيح وسارت الحملة من وسط فرنسا متجهة جنوباً صوب ميناء مرسيليا وكان الناس في كل مكان يمرون به يبدون اعجابهم بهؤلاء الاطفال الذين سوف يستردون القدس من المسلمين كما تبعهم الاف من الناس الى مرسيليا ليروا المعجزة التي ستحدث بانفلاق البحر لهم ووصلت الحملة الى مرسيليا واجتمع الناس ليروا المعجزة التي ستحدث!!! ومر يوم ويومان وثلاثة ولم تحدث المعجزة ولم ينشق البحر لدرجة أن بعض الاطفال اتهم ستيفن بالكذب وبعضهم رماه بالحجارة ولكنه ظل مصرا على أن المعجزة ستقع وبعد عدة أيام جاء الى ستيفن تاجران فرنسيان أحدهما اسمه هيو الحديدي والثاني اسمه وليام الخنزير وعرضا على ستيفن ان ينقلاه مع اتباعه بالسفن الى الشام فوافق على ذلك واستقل ستيفن سبع سفن مع اتباعه وابحروا في البحر المتوسط ولم تعرف فرنسا شيئا عنهم الا بعد مضي 18 سنة.
لما سمع أطفال المانيا بنبأ حملة الاطفال الفرنسية ظهر بينهم فتى يسمى نيقولا ادعى النبوة هو الاخر وانه سيقود اطفال المانيا وانه سيتغلب على المسلمين ليس بالحرب ولكن بالتبشير حيث يدخلهم في النصرانية ويبدو انه تأثر بحركة الرهبان الفرنسيسكان والدومنيكان التي ظهرت في ذلك الوقت في أوائل القرن السابع واتجهت للعمل على تنصير المسلمين. واعلن نيقولا ان المسلمين سيعتنقون النصرانية ويصبحون رعايا للكنيسة الكاثوليكية واحتشد مع نيقولا عدد كبير من الاطفال وانقسموا الى دفعتين كل دفعة تقارب عشرين الف طفل وسارت الدفعتان صوب ايطاليا وكانت المسافة بعيدة ويلزم ان يعبروا ممرات جبال الالب حتى يصلوا الى ايطاليا ومات عدد كبير منهم بسبب طول المسافة ووعورة الطريق اما الباقون فقد وصلوا الى جنوة وقابل البابا انوسنت الثالث عدداً منهم ونصحهم بالعودة الى بلادهم ولكن نيقولا أصرّ على ان البحر سينفلق لهم ولما لم ينفلق تأثر معظم الباقين واصبحوا تائهين فتبنتهم بعض الاسر الايطالية ولم يرتحل الا القليل منهم مع تجار جنوة الذين كانت مصالحهم التجارية فوق كل اعتبار فباعوهم في اسواق الرقيق.
اما خبر حملة الاطفال الفرنسية فقد عاد احد الاساقفة بعد 18 سنة الى فرنسا واخبر انه كان ضمن الاطفال الذين ركبوا السفن السبع مع هيو الحديدي ووليام الخنزير وانهم اتجهوا جنوبا فتحطمت سفينتان عند جزيرة كورسيكا وغرقت بمن فيها من الاطفال اما باقي السفن فسارت جنوبا وفجأة طوقها اسطول اسلامي وتسلم رجال الاسطول كل الاطفال ونقلوهم الى ميناء بجاية في الجزائر وباعوهم في اسواق الرقيق وتوزعوا بين البلاد فوصل بعضهم الى مصر واخرون وصلوا الى بغداد وذكر الاسقف العائد انه كان ضمن 700 طفل اشتراهم والي الاسكندرية وشغلهم في مزارعه وبساتينة . وتمكن ذلك الاسقف من العودة ليخبر بمصير تلك الحملة.
والملاحظ ان الروح الصليبية كانت قوية في تلك السنة التي قامت فيها الحملة سنة 609 ففيها حدثت معركة العقاب التي حشد فيها البابا انوسنت الثالث كل القوى الغربية فقصمت المعركة ظهر الوجود الاسلامي في الاندلس وقررت مصيرها ومن الادلة على الروح الصليبية الجارفة في تلك الحقبة ان الكثير من البرصي والعميان والمعاقين بل وكثير من النساء العاهرات قد اتخذوا شعار الصليب لقتال المسلمين لكن البابا انوسنت الثالث امر رجال الدين ان لا يقبلوا الا من كان قادرا على القتال وان يحلوا أولئك العجزة من قسمهم.