د. غازي التوبة يكتب: «الدين والسياسة.. تمييز لا فصل»
لقد مثل كتاب «الدين والسياسة.. تمييز لا فصل» للدكتور سعد الدين العثماني كتابًا من أخطر الكتب في الفترة المعاصرة؛ لأنه تناول قضيتين هما: قضية السنة، وقضية الحكم. وطرح فيه آراء خاطئة تهدم جوانب من قضية السنة والحكم.
لقد انطلق الكاتب من تصنيف تصرفات الرسول ﷺ، واعتمد على القرافي في ذلك، وكان القرافي قد قسم تصرفات الرسول ﷺ إلى ثلاثة أنواع: تصرفات بالبلاغ، وتصرفات بالقضاء، وتصرفات بالإمامة. وقد قسم الدكتور سعد الدين العثماني تلك التصرفات إلى تصرفات تشريعية، وأخرى تصرفات غير تشريعية، وهو ما لم يقله القرافي.
وقد مدّ العثماني «التصرفات غير التشريعية» لتشمل كل تصرفات الرسول ﷺ الجبلية، والعادية، والدنيوية، والإرشادية، وهو بهذا هدم كل ما قام به مدونو سنة رسول الله ﷺ، كالإمام البخاري ومسلم وأحمد، ومالك، وابن ماجة، والنسائي والترمذي، وأبي داوود، وابن حبان، إلخ… من أجل أن نقتدي ونتأسی به ﷺ .
وعندما دققت في بعض الأحاديث التي استشهد بها العثماني من أجل أن يبين عدم تشريعيتها، وجدت أن من نقل عنهم خالفوه، وبينوا أن هذه الأحاديث مع أنها للإرشاد ولكنها تبقى في مرتبة المندوب، وممن فعل هذا المناوي وغيره، وقد بينت هذا في موضعه من كتابي.
ومن الواضح أن الأصوليين اعتبروا «المباح» قسمًا من أقسام الفعل التكليفي، لذلك فإنهم اعتبروا التأسي بالرسول ﷺ فيما لم يرد نص بالأمر أو النهي يبقى ضمن العمل المشروع، كما فعل عبد الله بن عمر في تحري كثير من أفعال الرسول ﷺ والتأسي بها مع أنه لم يأت أمر من الرسول ﷺ بها.
وقد اعتبر العثماني «تصرفات الرسول ﷺ بالإمامة» ليست محلًا للاقتداء، وقد أعطى آراء في مجال الحكم في منتهى الخطأ والبعد عن الصواب، ومنها أن «تصرفات الرسول ﷺ بالإمامة ليست شرعًا ملزما للأمة إلى يوم القيامة»، وأتبع ذلك بأحكام أخرى، مثل:
«إن تشريعات الرسول وقراراته في مجال الحكم تحمل الطابع البشري، وإن مفعولها انتهى بوفاته ﷺ.«
وكذلك أطلق «صفة النسبية» على فترة قيادة الرسول لدولة المدينة، وكذلك» «صفة التاريخية» على فترة حكم الخلفاء الراشدين وبذلك أنهى أي ارتباط لنا بتلك الفترتين، مع أننا مأمورون من الله بتطبيق شرع الله الذي طبقه الرسول ﷺ والخلفاء الراشدون من بعده والاقتداء بتلك الفترتين، والأخذ منهما، والنسج على منوالهما، وهو في هذا أخطأ وخالف كل ما كتبه الفقهاء، ومدونو كتب السياسة الشرعية، والأحكام السلطانية.
كما وقع العثماني في أخطاء أخرى عندما تحدث عن «الدولة المدنية» واعتبر أن «الدولة الإسلامية» «دولة مدنية»، دون تفكيك لهذا المصطلح الذي يحوي أشياء لا تتفق مع الدولة الإسلامية ولا تقرها بحال من الأحوال، وقد وضحت بعض هذه الأخطاء التي لا يقرها الإسلام من الدولة المدنية في كتابي.
وبرزت بعض الأخطاء الأخرى عند العثماني عندما تحدث عن «وثيقة المدينة»، وجعلها تؤسس لمفهوم «المواطنة» الغربي، وهي لا تفعل ذلك، إنما تؤسس لمفهوم العلاقات الدولية.
وانتهى العثماني في الخلاصات التي دونها من تجربتي الرسول ﷺ والخلفاء الراشدين إلى أن الإسلام أباح له الأخذ بالديمقراطية طالما أنه ليس هناك نظام سياسي للأمة، ومن الواضح أن العثماني وقع في خطأين، هما:
الأول : اعتباره أنه ليس هناك نظام سياسي في الإسلام ملزم له.
والثاني: اعتباره النظام الديمقراطي لا يتعارض مع الإسلام.
أما بالنسبة للخطأ الأول، وهو قوله أنه ليس هناك نظام سياسي ملزم لنا في الإسلام. فإني أستغرب هذا الكلام أشد الاستغراب، فمن المعلوم أن الرسول ﷺ قضى عشر سنوات حاكمًا وإمامًا للدولة الإسلامية، وقد بنى الرسول ﷺ هذا النظام السياسي بأروع وأوضح صورة بأقواله وأفعاله، وقد كان الوحي يسدد خطاه في كل مرحلة من مراحل بناء هذه الدولة منذ وصوله إلى المدينة إلى لحظة وفاته ﷺ .
أما بالنسبة لاعتبار العثماني أن النظام الديمقراطي لا يتعارض مع الإسلام، فهذا الكلام غير صحيح، فعند تفكيك مصطلح الديمقراطية نجد أن الديمقراطية تقوم على محورين: مبادئ وآليات.
الآليات مقبولة، أما المبادئ فهي تتعارض تعارضًا كاملًا مع ديننا الإسلامي؛ لأنها تصطدم مع نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة كما وضحت ذلك في كتابي.