مقالات

د. فتحي أبو الورد يكتب: فقهاؤنا والحفاظ على الأسرة

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأصل في الطلاق الحظر، ولا ينقطع الزواج إلا لحاجة أو ضرورة، ولذلك كان الطلاق «أبغض الحلال إلى الله -عز وجل-» كما روى أبو داود والحاكم.

وقد وجهت السنة إلى تحريم الإفساد بين الزوجين من أي طرف «ليس منا من خبب امرأة على زوجها» رواه النسائي.

كما حذرت السنة من طلب المرأة الطلاق من غير سبب «أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها الجنة». رواه الترمذي والنسائي.

وفى ضوء هذه التوجيهات النبوية -وغيرها- وفي ضوء مقاصد الشريعة في باب الأسرة جاءت اجتهادات وفتاوى كثير من الفقهاء، تتغيا الحفاظ على الأسرة، وتتوخى دوام ائتلافها وترابطها وتماسكها وبقائها متى كان ذلك ممكنا، ومتى كان هناك مخرج وسعة؛ لأن الزواج تحقق بيقين، ولا يزول اليقين بالشك، ولا يزول اليقين إلا بيقين مثله، فلزم أن يقع الطلاق يقينا حتى تترتب عليه الحقوق والواجبات.

ومن ثم احتاط الفقهاء في إيقاع الطلاق بألفاظ الكناية فقالوا: لا يقع الطلاق بها إلا مع النية، فلو سئل الناطق بالكناية عما أراد بكلامه فقال: لم أنو الطلاق، بل نويت معنى آخر، فإنه يصدق قضاء، ولا يقع طلاقه لاحتمال اللفظ معنى الطلاق وغيره، فلا يصار إلى الطلاق حتى يتحقق من مراد الناطق وقصده.

وقد ضرب فقهاؤنا لذلك بعض الصور منها: لو قال الزوج لزوجته: الحقى بأهلك، أو أنت حرة، أو قد أعتقتك، فهذا أمر محتمل، هل يقصد الطلاق أم مجرد الاعتزال؟ وبناء عليه لابد من الاستيثاق من قصد الزوج ونيته حتى يقال بأن الطلاق يقع أو لا يقع.

وفى الطلاق بالكتابة اشترط الفقهاء أن تكون الكتابة واضحة وقاطعة على الدلالة بأن يكتب إليها فيقول: يا فلانة أنت طالق. فإن لم يوجه الكتابة إليها، والتبس الأمر فقال: أنت طالق فقط، فلا يقع الطلاق إلا بالنية. وعللوا لذلك بقولهم: لاحتمال أن تكون كتابته من غير قصد إيقاع الطلاق، كأن يكون كتبها لتحسين خطه مثلا.

وفى وقوع طلاق الأخرس بالإشارة اشترطوا ألا يكون عارفا بالكتابة، ولا قادرا عليها، فإذا كان عارفا بها وقادرا عليها، فلا تكفى الإشارة، لأن الكتابة أدل على المقصود، فلا يعدل عنها إلى الإشارة إلا لضرورة العجز عنها.

وذهب كثير من الفقهاء إلى أن الطلاق المقترن بعدد ـ كأن يقول: “طلقتك ثلاثا” ـ لا يقع إلا طلقة واحدة، وعللوا لذلك أيضا بالحرص على رباط الزوجية، والحفاظ على الأسرة.

وذهب بعضهم إلى أن الطلاق البدعى لا يقع، كأن يطلق الزوج زوجته فى طهر جامعها فيه، وعللوا لذلك بأن هذا عمل مخالف للسنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد”. وطلاق السنة أن يطلق الزوج زوجته فى طهر لم يمسها فيه حتى لا تطول عليها فترة العدة.

وذهب بعضهم إلى أن الحلف بالطلاق لا يقع، لأن الله تعالى لم يشرع الطلاق بمثل هذه الألفاظ، والحلف إنما يكون بالله لا بالطلاق، وقالوا: إن فعل ذلك فعليه كفارة اليمين، أى يطعم عشرة مساكين أو كسوتهم ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.

وذهب كثير منهم إلى أن الطلاق لا يقع في حالتي الإكراه  والغضب الشديد – الذي يفقد فيهما الزوج السيطرة على نفسه بحيث لا يعي ما يقول – لقوله صلى الله عليه وسلم “لا طلاق في إغلاق”. والإغلاق يعنى الإكراه أو الغضب، أو كليهما.

رحم الله فقهاءنا كانوا يحتاطون كثيرا فى إيقاع الطلاق للحفاظ على الأسرة، بينما بعض من يتصدر للفتوى اليوم يتسرع بإيقاع الطلاق، وهو جاهز بالرد على كل مسألة ومعضلة فى الطلاق وغيره دون أن يتريث أو يتثبت، ولو عرضت أمثال هذه المسائل على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى