الوطن وعاء للدين والمجتمع مادة للدعوة، ويمكن جعل بلادنا تتنافس لنصرة الدين. تماما كما جعل النبي القبائل تتنافس لنصرة الدين بعد أن كانت متناحرة. وهذا بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة لشمول الدين في المجتمع في حدود الوطن بداية وإلى حين بدون ممارسات حزبية أو تنظيمات عابرة للحدود.
وإذا اختلفت دولنا ولم تتحد أو تتعاون فليس العيب فينا ولا في حكامنا، وإنما المشكلة في أعدائنا الذين خاضوا الحرب العالمية الأولى من أجل إلغاء الخلافة العثمانية الجامعة كهدف أساسي لهم، وقد فرقنا إلى دول بحدودنا الحالية واحتلنا لنتبع ملته وإن لم يستطع فليبعدنا عن ديننا الشامل للحياة والذي يوحدنا، فنشر العلمانية وهي فصل ديننا عن حياتنا، بتكوين وتعليم تلاميذ له من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتا، وقد قاموا بمهمة الدعوة فينا إلى علمانيته وعن قناعة إلى يومنا هذا.
أوكل المهمة إلى تلاميذه ورحل عسكريا واستمر نفوذه بتلاميذه وبقواعد عسكرية أقامها في بلادنا تحرس الحدود والدول بهويتها العلمانية رغما عن شعوبها وحكامها. ولكن شعوبنا الحية بصحوتها الإسلامية منذ السبعينات، استنهضت الهمم وأحيت الأمل وتنتظر مقادير الله ليجزيها أجر نهضتها في دنياها بنصر يجعلها قوية عزيزة بين الأقوياء.
والحمد لله موازين القوى العالمية تبدلت وتغيرت، فرحل الاتحاد السوفييتي وضعف شأن الدول الأوربية، وتفردت أمريكا بالعالم، والآن تظهر الصين بقوة اقتصادية وعسكرية ضخمة، وبدأت مصالحها مع أمريكا تتصارع، والكل يتكلم عن إرهاصات احتكاك بينهما قد تؤدي لحرب علمية ثالثة. وكلاهما يبني لنفسه مناطق نفوذ بالمنطقة. ولم تعد إسرائيل كقاعدة عسكرية حية لأمريكا بالمنطقة مضمونه، لتجميع ولاء المنطقة للنفوذ الأمريكي بقيادتها، من أجل المواجهة المحتملة مع الصين.
لذلك نلاحظ تغير سياسة أمريكا تجاه إسرائيل، فلم تعد هي الابن المدلل الوحيد بالمنطقة، بل بدأت في دلال تركيا إردوغان وسوريا الشرع ودول الخليج، حيث وصف ترامب إردوغان بالصديق والشرع بالرجل القوي الواثق، وعندما كلم النتن ترامب بشأن سوريا قال له: إن ملف سوريا عند إردوغان صديقي.
هذا في مقابل انحسار النفوذ الإيراني الشيعي وذيوله عن المشهد، والذي أثبت تفلتا ومحاولة انفراد عن من يد مصالح أمريكا وإعدادها لحائط سد بالمنطقة ضد الغول الصيني، وكذلك فعلت إسرائيل بغرورها ولم تنجز شيئا في صالح النفوذ الأمريكي، أو ربما لا ترى إيران وإسرائيل أن الصين تمثل عدو لهما أو يهدد مصالحهما أصلا.
من هنا أرى أن أمريكا مجبرة على التوجه نحو الكتلة السنية بالمنطقة، والتي يمكن من عقيدتها أن تمثل تحالفا مع أمريكا المسيحية ضد الصين الباطنية المشركة التي تحفزها مصالحها للانقضاض على المنطقة وبترولها ومضايقها البحرية ومن قبل على دينها كما حدث في التاريخ من قبل.
ولكن ما هو المقابل المطلوب من أمريكا لهذا التحالف، إنه السماح بوحدة أو اتحاد دول المسلمين سنة وشيعة بقيادة سنية كطبيعة التاريخ الإسلامي، ولكن بعد زوال النظام الباطني السبئي في إيران. في النهاية فإن سنن الله تعمل فوق إرادتنا، وهو القاهر فوق عباده، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض…… اللهم اكتب لأمة نبيك الخير، ورب اجعل غدنا أفضل من يومنا.