الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ومعاملات وأخلاق، وعندما نقول الإسلام هو الحل فهو مثل قولنا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أي لا معبود ولا مطاع في شرعه إلا الله، إنها عقيدة التوحيد والطاعة والتدين والتخلق الخالص لله مع العباد، بما أرسل به محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذه غاية الإسلام وكل الأديان وكل الأنبياء. وعلى الفرد والأسرة والمجتمع أن يحقق من ذلك قدر استطاعته، وعلى الدولة أن تقوم بوسعها في تطبيق ذلك، ولا يمكن أن يقوم بالتطبيق الكامل الشامل إلا خلافة على منهاج النبوة، وقد انقضى هذا العهد، وبعده بدأ التطبيق القريب من منهاج النبوة، ثم قل التطبيق شيئا فشيئا من جيل لآخر، ومازالت الأمة بخير طالما وجدت تجربة بشرية تطبق قد المستطاع في عصرها ومكانها، حتى سقطت الخلافة، وهيمن على الأمة أعداؤها، فوقعت الأمة في حرج لأنه لا يمكن التطبيق قدر المستطاع إلا من قبل خلافة قوية قائمة. فصار من الطبيعي أن يكون التطبيق من مسؤولية الفرد والأسرة والمجتمع، فانحصر تطبيق الإسلام في العبادات والمعاملات الأسرية والاجتماعية. وصار من الطبيعي أيضا أن تطبيق الدولة من الإسلام هو ما تسمح به القوى المهيمنة على العالم.
وعندما بدأت الجماعات تعمل لعودة الأمة لعزها، كان من الطبيعي أن تمارس من الإسلام قدر استطاعتها لأنها ليست دولة، وكان من الطبيعي أن تختلف في تطبيقها حسب الزاوية التي بدأت منها العمل.
والذي صنع الإشكاليات المثارة من الكتاب حول عقيدة «الإسلام هو الحل» هو تنظيم الإخوان الذي جعل التنظيم هو الهدف والدين هو الوسيلة، يدعو إلى تمكين الهيكل التنظيمي نفسه ويستخدم الدين وسيلة، تنظيم عالمي حزبي مغلق ومبهم طبقي كل هدفه السلطة، ويريد أن يقنع الجميع بأن تمكين هذا التنظيم هو تمكين الإسلام نفسه، وهو الخلافة نفسها. هذا ما تقوله ممارساتهم لا أقوالهم التي يستخدمون فيها التقية وهم لا يشعرون لأنه كذب مقدس أي مبرر، هذا هو الذي أثار كل الإشكاليات التي يثيرها العلمانيون وحتى الباحثين المحايدين.
وإذا كان الإسلام هو الحل عقيدة وهدف يؤمن به كل مسلم، فمن أين نبدأ لتحقيق هذا الهدف. البداية حددها أزهرنا الشريف بتقوية دولنا الوطنية الحالية بالدعوة فيها بالحكمة والموعظة الحسنة بقدر الإمكان إلى أن يأذن الله وتتهيأ الفرصة الدولية لتعاون أو اتحاد بين دولنا يسمح بوجود كبير بين الدول الكبرى نمارس من خلال كل ديننا وثقافتنا بحرية، وليست البداية بتنظيم ينسلخ من المجتمع ليتعالى عليه بإيمان مزعوم أو بحزب مفرق مشؤوم.
ووصية الأزهر هذه كانت في سنة ١٩٢٦ بعد مؤتمر دولي حضره ممثلين عن الدول والمؤسسات الإسلامية حول العالم في محاولة لإعادة الخلافة الإسلامية بعد أن ألغيت على يد عملاء الإنجليز، وقد انتهى المؤتمر إلى توصية بشراكة بين الأزهر كمؤسسة شرعية وملك مصر أو أي من ملوك المسلمين لإقامة الخلافة، وقد بنيت هذه الوصية باعتبار الخلافة توكيل عن النبي في إقامة الدين وسياسة الدنيا به. فكان يلزم الأمة قيادة دينية يمثلها الأزهر وقيادة سياسية يمثلها الملك. وكان اقوى المرشحون للقيادة السياسية ملك مصر أو ملك السعودية عبد العزيز أو المسمى حينئذ بالشريف حسين وكان أمير الحجاز من قبل الخلافة العثمانية.
المهم لم يوافق المحتل الإنجليزي على إعادة الخلافة بأي شكل من الأشكال، فكانت توصية الأزهر بتقوية الدول الوطنية التي رسمها المحتل بالدعوة في المجتمع حتى يقوى لحمل الرسالة.
وبالفعل بدأت دعوة حسن البنا وشجعها الملك والمجتمع، ولما نضجت الدعوة ونضج معها المجتمع، حيث بدأت سنة ١٩٢٨ ونضجت في بداية الأربعينات، هنا طمع حسن البنا في القيادة السياسية بوسوسة من المحتل فدخل الإنتخابات، حاول الملك في تراجعه على يد النحاس باشا، فتراجع البنا بمكسب قفل الخمارات وبيوت الدعارة، ولكن سرعان ما عاد البنا لطمعة فدخل الإنتخابات مرة أخرى، من هنا ظهرت وتأكدت نيته في عدم رغبته ببيعة الملك للخلافة، فبدأ الطعن في التنظيم، وبدأ التنظيم في أخطائه بالاغتيالات السياسية، واستمر الصراع، والسبب الحقيقي هو طمع هذا التنظيم في السلطة، وسبب طمعه في السلطة هو اعتباره التنظيم هدف والدين وسيلة لهذا الهدف، وسبب هذا ايضا هو تقليد البنا للشيعة، حيث عمل معهم وأخذ عنهم عقيدة الإمامة المقدسة التي حولها إلى التنظيم والقيادة المقدسة المعصومة الواجبة الطاعة والثقة التامة.