د. محمد أكرم الندوي يكتب: أسماء الله وصفاته وأفعاله

د. محمد أكرم الندوي.. عالم ومحدث، من أهل جونفور الواقعة ضمن ولاية أتر برديش الهندية. وباحث في مركز أوكسفورد للدراسات

الدكتورة جنان يوسف بستكي من جامعة نيويورك فرع أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، من تلميذاتي النجيبات، ألفت كتابا عن أسماء الله باللغة الإنكليزية عم الانتفاع به، كتبت إلي: السلام عليكم شيخنا! كنت اقرأ الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول: “إن الله هو المسعر”، هذا الاسم فقط يذكر في هذا الحديث، يرى بعض الناس ان هذا الاسم من أسماء الله، وأردت أن أتأكد، بارك الله فيكم ونفع بكم.

الجواب:

  الجواب منقسم إلى جزئين: تخريج الحديث، ثم شرحه.

  التخريج: قال الإمام الترمذي في جامعه، كتاب البيوع، باب ما جاء التسعير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا الحجاج بن منهال، حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة وثابت وحميد، عن أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله! سعر لنا، فقال: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

  وأخرجه أيضًا أبو داود في سننه، كتاب الإجارة، باب في التسعير عن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عفان عن حماد بن سلمة به، وابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب من كره أن يسعر عن محمد بن المثنى حدثنا حجاج حدثنا حماد بن سلمة به، وأحمد بن حنبل وغيره، كلهم من طريق حماد بن سلمة به.

  الشرح: قال اللّه تعالى: “قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن، أيًّا ما تدعو فله الأسماء الحسنى” (سورة الإسراء 110)، نصف اللّه سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله نفيًا وإثباتًا من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، “ليس كمثله شيء وهو السميع البصير” (سورة الشورى 11) ونرى أن النصوص تحمل على ظواهرها، والعدول عنها إلى معان يدّعيها أهل الباطن، وأهل التجدد، وأهل الزيغ والأهواء، إلحاد، ونتبع محكم آيات كتاب اللّه، ونكل علم ما تشابه منه إليه، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا.

هذا وقد اختلف الناس في فهم أسماء الله وصفاته اختلافا كثيرا وأولوها تأويلات قريبة وبعيدة وحملوها على مذاهب شتى وآراء متباينة، وقد أطلت الكلام في ذلك في كتابي (صفوة العقائد) وشرحي على (صحيح مسلم)، وفيهما كفاية إن شاء الله تعالى.

وأود هنا أن أنبه إلى المعنى الذي تختلف فيه الأفعال عن الأسماء والصفات، فالأفعال دون الأسماء والصفات، وقد تصدر من الإنسان أفعال، ولا يستحسن أن يوصف بها، مثل الأكل والشرب والغضب والتغوط والتبول، كذلك نسب الله إلى نفسه أفعالا، ولكنه لم يصف بها نفسه، مثل الإضلال والفتنة والانتقام وختم القلوب والغضب والضحك وما إلى ذلك، فلا نصف الله تعالى بها.

والذي أوقع خلقا في الإشكال أن بعض الأفعال استعملت لله تعالى بصيغة اسم الفاعل، فظن بعض الناس أنها من صفاته، وليس الأمر كذلك، لأن العرب تستعمل اسم الفاعل (ومنه “ذو” مضافا إلى فعل) بمعنى الفعل، فمثلا: قال الله تعالى: “إنا من المجرمين منتقمون” (سورة السجدة 22)، وقال: “إن الله عزيز ذو انتقام” سورة إبراهيم 47، فلا نقول: “يا منتقم” أو “يا ذا انتقام”، ولا يغترن أحد بحديث الترمذي في عد أسماء الله، وفيها “المنتقم”، فالتحقيق أن تفصيل الأسماء في ذلك الحديث مدرج، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن الأفعال “المسعر”، فلا نستعمله لله تعالى إلا في السياق الذي ورد فيه، فمثلا نقول: يا الله، يا رحمن، يا رب العالمين، وأمثال ذلك من المحامد، ولكن لا ندعو الله تعالى بالأفعال كأنها أسماء، فلا ينبغي أن نقول “يا مسعر”، ولكن نقول: “إن الله مسعر”، وإذا أردنا أن ندعوه قلنا: يا وهاب، يا رزاق.

ومما يستشهد به على ذلك ويستأنس به قوله تعالى: “وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك، قل كل من عند الله” (سورة النساء 78)، ثم بين أن الشر من حيث إنه شر مصدره كاسبه نفسه “ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك”، فنسبة الحسنة والسيئة إلى الله تعالى من جهة إيقاعها، وإلى بني آدم من جهة الاستحقاق.

فأسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله كلها حسنى، وليست من القبح في شيء، وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وقد جر عدم فهم هذا الأمر أقواما إلى تخليط شنيع، فقالوا: كل ما يفعل الله فهو حسن، فإن أضل الناس وعذبهم من غير ذنب فهذا أيضًا حسن، حتى إنه تعالى – وأنقل هذا القول الشنيع عائذا به – إن كذب أو خدع فليس في شيء من القبح، وهذا كلام أوله حق وآخره باطل، فكل ما يفعل ويأمر فهو خير وحسن، ولكن نسبة التعذيب إليه من دون ذنب قول في غاية الفساد والبشاعة والفظاعة، يا ليتهم تدبروا قوله “ولله الأسماء الحسنى”!.

وشرح هذه المسألة يطول، ولعلي أقوم به في وقت آخر مناسب إن شاء الله.

د. محمد أكرم الندوي

عالم ومحدث، من أهل جونفور الواقعة ضمن ولاية أتر برديش الهندية. وباحث في مركز أوكسفورد للدراسات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights