الأثنين مايو 20, 2024
مقالات

د. محمد أكرم الندوي يكتب: المرجعية

يجب أن لا يغيب عن بالنا أن المرجعية في هذا الدين تختص بالكتاب الإلهي من بين سائر الكتب، وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأفراد، ولا تمتد هذه المرجعية إلى كتب الفقه والكلام والتصوف، ولا إلى أئمة الفقه والكلام والتصوف، ولا إلى أي هيئة أو مؤسسة أو مكتبة فكرية.

فلا مرجعية للعلماء والزعماء والقادة المسلمين المعاصرين، ولا لمؤلفاتهم ومصنفاتهم، ولا للمراكز والمعاهد والمدارس التي أسسوها، إن الأزهر الشريف، وجامع القرويين، وجامع الزيتونة، ودار العلوم لندوة العلماء تعتبر مراكز لتأهيل العلماء والفقهاء والمفتين والزعماء والقادة، وليست هذه المراكز التعليمية مرجعيات دينية في أنفسها، وكان إضفاء صفة المرجعية عليها خطأ جسيما، أدى إلى فرض أزمة الجمود الفكري، والتزمت الاجتماعي، والاستغلاق الثقافي، والتصلب القانوني على هذه الأمة، وسلبها مرونتها وتسامحها، وتمخضت هذه الأزمة عن شحن هذه المؤسسات المكتبات الإسلامية بمئات المجلدات التي تقدم التفاصيل الدقيقة للجزئيات الفقهية والتحديدات الفكرية والقانونية والعملية، والتي أضعفت مكانة القرآن والسنة كمرجعية أساسية وسلبتها معناها ومغزاها.

إن هذه المبادئ والتعاليم التي تزخر بها تلك المجلدات الضخمة مهما اتسمت بالوضوح والصرامة لن تبلغ درجة المرجعية، فالخطوة الأولى نحو أهلية الأفراد والمؤسسات أن تخضع لمرجعية القرآن والسنة الكاملة خضوعا مطلقا ظاهرا وباطنا دون ربطه بقيد أو شرط، وحينئذ يمكن أداء رسالة الإسلام ونشر تعاليمه في المجتمعات خالصا دون أن تشوبها الشوائب.

إن هذا العالم يتغير بسرعة فائقة ويتطور تطورا منقطع النظير، ولن يتأهل لقيادته إلا العلماء الأكفاء المستقلون في الفكر والأقوياء في الشخصية، الذين يستقون من مصدري القرآن والسنة مباشرة، ويهدون المجتمعات البشرية إلى إطاعة الله ورسوله، ومن لم يبلغ هذه الدرجة فالواجب عليه أن يعزل نفسه عن القيادة لأنه يلحق بهذا الدين وأهله ضررين بالغي الخطورة:

الأول أنه يستعير الحلول القديمة التي نفعت في المجتمعات التقليدية ويطبقها على المجتمعات الحديثة دون تفهم لمقتضياتها، ودون تلبية لمتطلباتها، فيحدث صراعا مريرا في نفوس الأمة الإسلامية ومجتمعاتها يؤخرها عن الركب تأخيرا، ويدفع عجلة الحياة وراءها دفعا.

والثاني أنه يستعير الحلول العلمانية الناجحة في المجتمعات الغربية، والتي تضاد الإسلام وتعاليمه، فيرتكب جريمة التحريف في الدين، وصرف أتباعه عن غايتهم التي خلقوا لأجلها، وفرض التبعية الغربية على المسلمين، وسلبهم نعمة الهدى التي تستدر الرحمة الإلهية.

Please follow and like us:
د. محمد أكرم الندوي
عالم ومحدث، من أهل جونفور الواقعة ضمن ولاية أتر برديش الهندية. وباحث في مركز أوكسفورد للدراسات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب