لما أشعلت دول أوربا نيران حرب بلقان سنة 1912م اضطربت الهند كلها اضطرابا، وبكت العيون الدماء، وناح العلماء وندبوا، وأعول الشيوخ ونحبوا، فسطر العلامة شبلي النعماني (ت 1914م) منظومة باللغة الأردية هيجت المسلمين على توجع وصراخ، وتنديد واستنكار، يقول العلامة السيد سليمان الندوي: “كأن هذه المنظومة ملهمة من عند الله تعالى، تحققت تنبؤات منها، أنشدها العلامة شبلي في حفلة عامة في لكنؤ عقدت لجمع التبرعات لتركيا، فبكى واستبكى، كأن بلدة لكنؤ تحولت إلى مجلس للمآتم والتأبين”. (حياة شبلي 594).
ولاتزال هذه المنظومة حاملة التأثير نفسه إلى يومنا هذا، فنقلتها إلى اللغة العربية، لعلها تعمل في نفوس الناطقين بها ما عملت في الهنود:
إذا أدبرت دولة المسلمين وانهارت فإلى متى يبقى لهم رسم أو يدوم لهم أثر؟
وإلى متى يعلو الدخانُ من مصابيح المجالس المطفوءة؟
إذا مزّقَ القدَرُ رداءَ مُلك الإسلام إربًا إربا،
فإلى متى تطير شظاياهُ في أجواء السماء؟
تفلَت المغربُ الأقصى من أيدينا، وضاعت فارسُ، فانظروا
كم يصمدُ التركيُّ المريضُ العصي الأبي؟
إن هذا الطوفان الهائج المائج المليء بالشر لمنطلق من أرض بلقانَ،
فهل ستصدّهُ صيحات المظلومين، وهل ستقف في وجهه صرخات المستضعفين؟
هؤلاء الطغاة يطلون من شرفاتهم على مشاهد الذبح والإبادة
فكم يظل الشهداء اللافظون أنفاسهم الأخيرة يعرضون عليهم تلك المتع؟
يُطربهم أنينُ الضعيفِ المقاسي شدة الألم،
فكم يسمعهم اليتامى والأيامى صوت الانكسار والخور، وترنيمات الضعة والضيم؟
ليسأل السائلون: يا أربابَ الحضارةِ الإنسانية! ويا أساتذة التمدّنِ العالمي!
إلى متى تدومُ هذه الفظائعُ؟ وإلى متى يستمر الفتك الشنيع والتشريد المهين؟
ويا مَن يُلهبونَ الطغيانَ بالعنف،
إلى متى هذا التلذّذُ بالدموعِ والدماء؟
سلَّمنا أنكم تهوون التأكد من حدة سيوفكم
فإلى متى تختبرون صرامتها على صدورنا ورقابِنا؟
إن لم تروا حدائقَ الدماء ورياض الأشلاء
فإلى متى نحول ساحاتنا وأفنيتنا معرضا للحوم والعظام؟
علمنا أنكم تعشقون ما يزيد محافلكم بهاء ورونقا، ويضفي على مجامعكم ابتهاجا واحتفالا
فكم نُريكم نحيبَنا المستعر ونياحة ثكلانا؟
سلمنا أن قصصَ الأحزانِ وروايات المآسي تسليكم
فكم نروي لكم وقائع قلوبنا المحرقة وأحداث نفوسنا المشققة؟
تشكونَ من جدبِ السماءِ وقحط الأراضي
فكم نروي حقولكم وزروعكم بدمائنا السائلة المنهمرة؟
تطلبون الحناء والزينة لعرائس بختكم وسعادتكم
فإلى متى تظل دروعُنا حمراء شفاء لصدوركم؟
إلى متى تنتقمون منا مغتاظين من فتح صلاح الدين الأيوبي؟
وكم تُعيدون فينا مشاهدَ الحروبِ الصليبية الهمجية؟
حسبتُمونا بقايا من غبارِ ماضٍ،
فكم تسعون لمحوِ آثارنا من سِجِلّ الدهر؟
يا أيها الأعزة! إن زوال العثمانيين زوالُ الشرعِ والدين،
إلى متى تعيشون وقد قهركم الخوف على الأهل والأولاد والديار؟
أخبروني بالله ألا تفهمون هذه التجهيزات وجمع العدد والعتاد؟
إن لم تفهموا اليوم، فمتى ينكشفُ لكم السر وينحل لكم اللغز؟
إذا أبيد عُبّادُ بيت الله الحرام
فكم يبقى تعظيمُ الملائكةِ لمساجدكم؟
إذا علا صوتُ أجراس الكنائسِ في الأرضِ،
فكم يُسمعُ نداءُ التوحيدِ وصوت الأذانِ في مدنكم وقراكم؟
إن أوراق الإسلامِ تتناثر، وعراه تنفصم،
فكم تهبُّ عواصفُ الكفرِ العاتيات؟
أخشى أن تصاب أستار الكعبة والحرمِ المقدّس
فكم تدومُ جُرأةُ ظلمات الكفر الجوارف؟
قد صوبت أعينُ الصيّادين نحو الحرمِ،
فكم يصمدُ عشُّ الطيورِ في الحجر والحطيم؟
إن نهاجر يا شبلي! فأين نهاجر، ما المفر وأين الوزر؟
إلى متى يستقر الأمن والسلام في الشامِ ونجد والقيروانِ؟