د. محمد أكرم الندوي يكتب: ما زالت دهلي بعيدة

كان الشيخ نظام الدين محمد بن أحمد بن علي البدايوني الدهلوي الملقب بالأولياء (633-725هـ) من أشهر علماء الهند وكبار مشايخ الطريقة الجشتية بها، كان أجداده من مدينة بخارى، فهاجروا إلى الهند وسكنوا مدينة بدايون، ولد الشيخ نظام الدين بها ونشأ وتقدم في العلم والعمل، وحصلت له الإجازة في الطريقة من الشيخ فريد الدين مسعود كنج شكر المعروف باسم بابا فريد، ثم استقر في دهلي ومات ودفن بها، وقبره معروف في ناحية من دهلى تسمى باسمه “حضرة نظام الدين”، وبها مركز الدعوة والتبليغ.
وعاصر الشيخ نظام الدين ملوكا وسلاطين، منهم السلطان غياث الدين تُغْلُق تركي الأصل، والذي تولى الحكم سنة 720 هـ إلى سنة725 هـ، وهو مؤسس السلالة التغلقية التي حكمت الهند نحو قرن من الزمان.
مما رواه أهل التصوف في كتبهم أن الشيخ نظام الدین الأولياء رحمه الله عاداه ملوك لما رأوا من إقبال الناس عليه من كافة أنحاء الهند، منهم السلطان غياث الدين تغلق، والذي خرج في آخر أيام حياته إلى بعض مغازيه في بنغال، وكتب منها رسالة إلى الشيخ يطلبه فيها النزوح من دهلي، وهدده بالقتل إن لم يمتثل أمره، فكتب إليه الشيخ “هنوز دلی دور است”، أي ما زالت دهلي بعيدة، وقضى السلطان حاجته من الغزو وسار راجعا إلى دهلي، فحذَّر الشيخَ مريدوه من بطشه وسألوه الخروج، فقال الشيخ: ما زالت دهلي بعيدة.
ووصل السلطان إلى أفغان بور، قرية على مسافة ثلاثة أميال من دهلي، وكان نجله ولي العهد قد بنى له بها قصرا خشبيا فاخرا، فنزل السلطان فيه، وأنهي إلى الشيخ نظام الدين بقرب السلطان من دهلي، فقال بكل طمأنينة هدوء: ما زالت دهلي بعيدة، يقال: فوقع القصر الفاخر بكل زينته على السلطان، ومات، وسلم الشيخ من شره.
وصارت جملة «ما زالت دهلي بعيدة» مثلا يضرب به في استبعاد كل قريب، وتذكرتُ هذا المثل السائر لما بلغني عن بعض المستكبرين أنه سيحول فلسطين جحيما على أهلها، فتجرأ به بعض من ضربت عليهم الذلة إلا بحبل من الله وحبل من الناس وقال متباهيا: إنه سيحول الشرق الأوسط تحويلا،
فقلت: ما زالت دهلي بعيدة.