د. محمد الأسطل يكتب: إماطة اللثام عن حرب تقليل السكان (1-5)
جولةٌ في إحدى جبهات الحروب الأمريكية الباردة الجديدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:
فلا زالت الولايات المتحدة الأمريكية تشن حربًا ضاريةً ضروسًا ضد سكان العالم تهدف إلى تقليل أعدادهم من خلال سياساتٍ شتى؛ من مثل تعقيم النساء والتشجيع على الإجهاض وتشريع المثلية والشذوذ، فضلًا عن الدعوات المتكررة لرفع سن الفتيات في الزواج وتخفيف النسل أو تنظيمه أو تحديده في كثيرٍ من البلدان بطفلٍ واحدٍ أو اثنين بحدٍّ أقصى إلى غير ذلك من الوسائل مما تحمله إليك حروفُ هذه المقالة.
فما قصة هذه الحرب؟
ولماذا؟
وهل نحن مستهدفون أم نحن في عافيةٍ من ذلك؟
وما علاقة ذلك بما يتردد الآن ذكره عن التغيرات المناخية وارتفاع حرارة الكوكب؟
في هذه المقالة جوابٌ مقتضبٌ عن ذلك، وأصارحُ القارئ منذ البداية أنَّ هذه المقالةَ متعبةٌ للنفس، لكنها تُبَصِّرُ بإحدى جبهات الحرب التي لم تأخذ حظَّها من النكير الإسلامي، ولا بد للشعوب المستهدفة كافة أن تكون منها على وعيٍ وبالٍ ومدافعة.
ومتى وعيتها فينبغي أن تأخذ بدورك إزاءها من بث الوعي؛ فإنَّ مجردَ استفاضةِ الأمر في الناس قد يعصم الله به بلادًا بأكملها، والله هو الموفق والمستعان وحده.
ولنبدأ القصة من البداية:
ترجع القصةُ لما صار عليه الغربُ من القولِ بالمشكلةِ الاقتصادية والتي تُلقَّب بمشكلة الندرة، وذلك في ظل الجذور الفكرية التي شكَّلت ثقافتهم وعقليتهم من مثل الرأسمالية والعلمانية والليبرالية.
وتتلخص المشكلةُ الاقتصاديَّةُ في نظرهم في أنَّ المجتمعات البشرية على اختلاف أنواعها ودرجة تقدمها تواجه حقيقةً مؤادها: أنَّ الحاجات التي تنزل بها تفوق الموارد المتوفرة بين أيديها، بمعنى أنَّ الحاجات غير المحدودة تصطدم مع الموارد المحدودة، وهذا هو معنى الندرة.
ويقولون: إنَّ المواردَ المتاحةَ لدى أي مجتمعٍ لا تكفي احتياجاته حتى لو تم استخدام الموارد استخدامًا صحيحًا كاملًا على أحسن وجه.
ويرون أنَّ أحد صور تصحيح الطبيعة لنفسها ما يحصل من زلازل وبراكين وكوارث طبيعية، فهذه من شأنها أن تعيد التوازن المطلوب.
وفي نفس الاتجاه ما يعرض للبشر من حروبٍ ومجاعاتٍ ونحوها.
وبناءً على هذا الاعتقاد الاقتصادي فقد وُجِدت الأرضيةُ الفكريَّةُ عندهم التي تقرر العمل على إنقاص عدد البشر وتقليل السكان بكل وسيلةٍ ممكنةٍ من مثل الإجهاض ورفع سن الزواج وتحديد النسل وغير ذلك مما سيأتي.
وهذا بخلاف الحال عندنا في التصور الإسلامي؛ فنحن نؤمن أنَّ الله تعالى خلق الكون، وقَدَّرَ في الأرض أقواتَها، وكل شخصٍ يكتب له رزقه وأجله حين يكون ببطن أمه قبل أن يُولد، والله سبحانه بيده خزائن السماوات والأرض، وكما أنَّه سبحانه المتفرد بالخلق فإنه المتفرد بالرزق.
وقد يُبتلى قومٌ بمجاعةٍ في ناحيةٍ ما، لكن هذا لا يعم الزمان ولا المكان، فيُعانُ هؤلاء من إخوانهم من حولهم بما يسد حاجتهم، ولهذا لن يموت إنسانٌ لأن الرزق في الأرض لا يكفيه.
فالكون في التصور الإسلامي في توازن، أما ما يحصل في الأرض بعد ذلك من كوارث وظواهر تفتك بالبشر فإنَّه راجعٌ لفساد البشر كما قال سبحانه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].