الأحد يوليو 7, 2024
مقالات

د. محمد الأسطل يكتب: إماطة اللثام عن حرب تقليل السكان (2-5)

خذ مثالًا على ذلك بالكارثة الأكبر التي يتردد ذكرها الآن؛ وهي التغيرات المناخية وارتفاع درجة حرارة الأرض، وما ينتج عن ذلك من فيضانات وأعاصير وحرائق ومجاعات وهجرة وغرق لكثيرٍ من الدول والمدن الكبرى إلى غير ذلك من كوارث تهدد استقرار 70 % من البشر.

وسبب ذلك: تلك الانبعاثات المتولدة من الغازات الدفيئة التي تصعد من الأرض بكميات هائلةٍ جهة الغلاف الجوي بما يتسبب في الاحتباس الحراري.

والاحتباس الحراري هو ظاهرةٌ بيئيةٌ تضمن حياة الإنسان والكائنات الحية من خلال حماية الطاقة الحرارية المنبعثة من الشمس وحفظها من الضياع، وبدونها يمكن أن تنخفض الحرارة لما تحت الصفر وبهذا تتهدد حياة الكائنات.

وتكمن المشكلة اليوم في أن كمية الانبعاثات من الغازات الدفيئة من مثل غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان وغير ذلك كميةٌ هائلة، فينتج عن ذلك اختلالٌ في توازن ظاهرة الاحتباس الحراري، وتتحول إلى مشكلةٍ حقيقية تنذر البشر بطقس جهنمي كما يقولون.

والكوارث الناتجة عن التغيرات المناخية تتسلسل تسلسلًا يفتك بكثيرٍ من البشر؛ فحين ترتفع درجة الحرارة تذوب المحيطات الجليدية في القطبين، فيزيد مستوى البحر ودرجة حرارته ودرجة الحموضة في المحيطات، وهذا يؤدي لفيضانات، وهذه الفيضانات تُغرِقُ عددًا من المدن وتهلك المحاصيل الزراعية فيتسبب ذلك في هجرة الناس ونزول المجاعات بهم.

وقد بدأت كثيرٌ من الكوارث تحصل بشكلٍ جزئيٍّ حتى إن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أفادت أن 12 ألف كارثة حصلت خلال الخمسين سنة الماضية، وقد أودت هذه الحوادث المتفرقة بحياة 2 مليون شخص، وخسائر تزيد قيمتها عن 4.3 تريليون دولار. (انظر حلقة «مخاطر التغيرات المناخية وانعكساتها» ضمن برنامج «سيناريوهات على قناة الجزيرة»)

لكن السنوات الخمس القادمة ستشهد بداية الأزمة الحقيقية التي تهدد أهل الأرض، ويقول الخبراء: إنَّ الأرض تلفظ أنفاسها إن لم نسارع في إسعافها.

وسببُ الكارثةِ واضحٌ، وحلها واضح لكنها فساد البشر.

أما السبب.. فهو زيادة الانبعاثات الحرارية المتولدة من الغازات الدفيئة.

وأما العلاج.. فيكمن في التزام الدول الصناعية الكبرى بمخرجات مؤتمرات المناخ المتكررة؛ إذ إن نسبة الانبعاثات منها تبلغ 80 %؛ فالصين ينبعث منها 30 %، والولايات المتحدة ينبعث منها 15 %، والمجموعة الأوروبية ينبعث منها 10 %.

ومن الحلول: ترشيد استعمال الطاقة، وزيادة الغابات إذ إنها بمثابة أحواض كربونية طبيعية، والتقليل من استخدام الوقود الأحفوري؛ كالغاز والفخم والنفط، واستخدام الطاقة النظيفة البديلة مثل الطاقة الشمسية والطاقة الكهرمائية وهي التي تتولد من السدود، والطاقة النووية، والطاقة الحرارية الجوفية وطاقة الرياح والطاقة المستفادة من البحار والمحيطات وقت المد والجزر.

والوقود الأحفوري يفاقم المشكلة جدًّا، وهو الوقود المستعمل في تشغيل المصانع والمطابخ ومحطات الطاقة الكهربائية وتحريك وسائل المواصلات وأضراب ذلك.

والإشكالية فيه أنه موردٌ غير متجدد، وأنه مُلَوِّثٌ للبيئة، وحياتنا قد ارتبطت به؛ إذ إن 85 % من الطاقة مستفادٌ منه، لكننا أمام تبعاته الكارثية لا بد من تقليل استخدامه والاتجاه للوسائل البديلة.

ومكمن الخطر: أن قادة الدول الكبرى إذا لم يفوا بتعهداتهم التي أبرموها في اتفاق باريس سنة 2015 فإننا قد ندخل في المرحلة الكارثية التي لا عودة بعدها؛ إذ إنَّ الانبعاثات إذا زادت في الغلاف الجوي فلن يوقف الكارثة توقف البشر عن الفساد.

وما زالت الفجوة كبيرة بين تعهدات الدول الكبرى وبين التطبيق العملي.

وبلغةٍ أوضح: إنَّ العالمَ مصابٌ بقياداتٍ عالميةٍ تُفسِدُ في الأرض أشدَّ الفساد، تلوث البيئة والماء والتربة والهواء.

إنهم يستعملون البيئة كوسيلةٍ انتفاعيةٍ يحققون بها مصالحهم الآنية التي تهمهم هم دون اكتراثٍ قط بغيرهم من سكان العالم، بل ودون اكتراث بالأجيال القادمة التي تأتي من ذراريهم هم.

وهذه إحدى إفرازات العقلية الرأسمالية التي تقوم على النفعية واللذة؛ فالنفع المادي في هذا الفكر غاية، ولا عبرة بما ينتج عن ذلك من أنانيةٍ واحتكارٍ وأثرة.

أما النفع المادي في التصور الإسلامي فإنه وإن كان معتبرًا أشد الاعتبار إلا أنه وسيلةٌ لعمارة الأرض وتهيئتها للعيش الإنساني، ولهذا تجد التكافل الاجتماعي ركنًا من أركان الاقتصاد الإسلامي بما يتضمنه من زكاةٍ ووقفٍ وصدقةٍ وغير ذلك، ومن ثم فإنَّ المنافسةَ والأنانيَّةَ والاحتكارَ أمورٌ تتحول إلى تفاهمٍ وتعاونٍ بين الناس من أجل إعمار الأرض واستثمار ثرواتها على أحسن الوجوه لصالح البشرية كلها.

Please follow and like us:
د. محمد الأسطل
من علماء غزة وفقهائها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب