د. محمد الأسطل يكتب: إماطة اللثام عن حرب تقليل السكان (3-5)

وإذا وعيت هذا المثال والعقلية التي عليها القوم.. علمت الفارقَ الهائلَ في النظرِ للسكان بين التصور الإسلامي والتصور الغربي.

فإذا كان الغرب يعمل على إنقاص البشر لإيمانه بالمشكلة الاقتصادية مشكلةِ الندرة، ومن ثم لا ينتفض لحل مشكلة التغيرات المناخية وإيقاف الفساد في الأرض عبر إيقاف تلويث البيئة ومنع موجبات الكارثة.. فإنَّ الإسلامَ كما يُقَرِّرُ عقيدةَ الأجل فإنه يقرر عقيدة الرزق، وليس من بأسٍ في التصور الإسلامي من زيادة أعداد البشر، بل إنَّ هذا أمرٌ مطلوبٌ شرعًا.

روى أبو داوود في سننه من حديث مَعقِل بن يسار رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّى مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ». قال الألباني: حسن صحيح.

وفي المُصنف عند عبد الرزاق أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تَنَاكحوا تكثروا؛ فَإِنِّي أُبَاهِي بكم الأممَ يومَ القيامة».

وهذا ما يتَّبعه أيُّ بلدٍ يريد أن ينهض؛ وذلك أنَّ عددَ السكان في أي بلد يُعَدُّ من أهم موازين القوة فيه؛ لأنه يُمثِّل رافدًا قويًّا يزيد من قوة البلد وبرامجه الدفاعية وكفاءته الإنتاجية ووفرة الأيدي العاملة وإشغال المناطق غير المأهولة فيه، بالإضافة إلى نشاط حركة العمران والتجارة والنهضة والثقافة فيه، وبقاء الغلبة للجيل الشبابي بما يتضمنه ذلك من حماسةٍ وفاعليةٍ وحيوية، فالنمو السكاني لا يمثل عبئًا متى أُحسِنَت إدارةُ العدد.

فالصين التي يزيد عدد سكانها عن مليار و400 مليون نسمة كان من أهم أسباب تقدمها المتسارع تلك الطاقة الإنتاجية المدهشة، حتى قالوا: إنَّ كل بيت تحول لورشةٍ أو مصنع.

ولهذا السبب نرى تركيا تُشَجِّعُ على تكثير النسل من وقتٍ لآخر، وفي بلدنا غزة كانت الكثافة السكانية من أهم المعيقات أمام تقدم الصهاينة في الحروب والاجتياحات، وعندنا قام العدو الصهيوني بحصار بيروت سنة 1982 لم يستطع الاستمرار طويلًا بسبب كثافة السكان في المخيمات، بينما نراه يحتل صحراء سيناء في بضعة أيام سنة 1967م.

وثمة أمرٌ آخر غير المشكلة الاقتصادية مشكلة الندرة يدفع الولايات المتحدة للعمل على إنقاص البشر مفاده أنَّ الولايات المتحدة ترى في النمو السكاني في العالم خطرًا استراتيجيًّا على مصالحها.

ووجه ذلك: أنَّهم خلصوا من خلال الدراسات والتقارير إلى أنَّ إحدى وسائل بقاء السيطرة على العالم التحكم في عدد السكان، فضلًا عما يشكله النمو السكاني من خطرٍ عليهم؛ إذ إنَّه يزيد من فرص الثورات على الأنظمة الوظيفية التي تعمل في تلبية الأجندة الأمريكية ويشغب على أمنها ويهدد مصالحها.

من هنا توجه صُنَّاعُ القرارِ في الولايات المتحدة للحد من النمو السكاني بكلِّ سبيلٍ ممكن، وابتكروا من الوسائل ما أحسب أنَّ بعضه لا يخطر ببال شياطين الجن، وذلك مثل:

1- التمكين من الإجهاض.

2- استعمال موانع الحمل.

3- تبني أفكار الحركة النسوية وما تفضي إليه من المثلية والشذوذ، والذي يؤدي لقلة الإنجاب كما هو ظاهر.

4- الدعوات المتكررة لرفع سن زواج الفتيات، وهذا ما يقع به بعض الجهات داخل البلاد الإسلامية دون انتباه لحقيقة الكيد الدولي.

5- التحريض المستمر على تنظيم النسل أو تحديده بطفلٍ واحد.

6- تعقيم النساء؛ أي جعلهن عاقرات لا يلدان أبدًا.

فقد عُثِر على مذكرةٍ رئاسيةٍ أعدها «هنري كيسنجر» ثعلب السياسة الأمريكية حين كان مستشارًا للأمن القومي بطلب من الرئيس «جيرالد فورد» فيها مشروعُ العملِ على تعقير ربع نساء العالم القادرات على الحمل يومئذٍ والبالغ عددهن 570 مليون امرأة، وذلك على ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: تعقير 14 مليون داخل الولايات المتحدة ما بين تعقيم للنساء وإخصاءٍ للرجال.

والمرحلة الثانية: تعقير 142 مليون امرأة موزعات على 13 دولة.

والمرحلة الثالثة: تكمل بقية العدد.

والموضوع بالنسبة لصانع القرار الأمريكي ذو أهميةٍ وخطر؛ فقد كشف الدكتور «رايمرت رافنهولت» مدير مكتب الحكومة الاتحادية للسكان أنَّ الحكومة الأمريكية دربت نخبةً من الأطباء على تقنيات التعقيم المتطورة في كلية الطب التابعة لجامعة واشنطن بعد أن رصدت الميزانية اللازمة لذلك، والتي تبلغ 2.5 مليار دولار، واشتركت جامعة جونز هوبكينز في برنامجٍ رديفٍ يتعلق بذات الغرض.

وبدأ التنفيذ بعيدًا عن الأضواء، وتم تنفيذ المرحلة الأولى بتعقير 14 مليون ما بين تعقيمٍ للنساء وإخصاءٍ للرجال داخل الولايات المتحدة نفسها.

ولم يكتشف الكثيرون لغز التعقيم إلا بعد سنواتٍ طويلةٍ حين أماط الكاتب والمنتج السينمائي «ستيفن ترومبلي» اللثام عن الكارثة من خلال فيلم وثائقي بعنوان: «مِصَح لينشبيرغ»، هذا المصح التابع لولاية فرجينيا الذي كان أشبه بمسلخ جنسي يضم الآلاف من المغضوب على نسلهم وذراريهم.

أما المرحلة الثانية فقد استهدفت النساء في 13 دولة منها البرازيل ومصر، وتم تعقيم نصف نساء البرازيل في تلك المدة.

وأمام الاحتجاجات الواسعة الشعبية وانتقادات جمعيات حقوق الإنسان أجرى 165 نائبًا في المجلس التشريعي البرازيلي تحقيقًا أدانوا فيه الولايات المتحدة وأنها المسؤولة عن هذه الجريمة البشعة.

وانظر تفاصيل ذلك كله في كتاب أميركا والإبادات الجنسية لمنير العَكْش (18-44)

وما زالت المجزرة تحصل في مصر ولكن بعيدًا عن الأعين، خاصة في ظل الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ فقد خرجت عدة إشارات إخبارية تفيد بأنَّ عددًا من المستشفيات تقوم بتعقيم النساء عقب عمليات الولادة خاصة القيصرية، حتى تراجع عدد الزيادة في المواليد بنسبة 36 % خلال السنوات السبع الأخيرة في جريمةٍ بشعةٍ بحق الشعب المصري والعياذ بالله تعالى.

أما إذا سألت عن كيفية التعقيم.. فإنه يتم من خلال طريقتين:

الأولى: يتم تعقيم المرأة عقب عملية الولادة، ويُطلب منها أن تُوقع على إجراء عمليةٍ جراحية ويقولون لها: إنها عمليةٌ مهمةٌ في صالح صحتها، فتُوَقِّع تحت حالة الضعف التي تعاني منها وهي تعاني آثار شدة الوضع، ولا تدري ما الخطب، وليس أمامها إلا الأطباء أصحاب الملابس البيضاء والتي تختبئ خلفها قلوبٌ سوداء.

وفي حالاتٍ كثيرةٍ كانت النساء تُجبر على التعقيم، وكثرت حالات الطلاق نتيجة ذلك، وسيق من سيق منهم إلى المصحات العقلية، وهذا موضوعٌ طويلٌ عريضٌ بسطت القول فيه في كتاب: «سبائك الشيطان» يسَّر الله صدوره عن قريب.

الثانية: من خلال المساعدات الإغاثية التي تحتوي على عقاقير تمنع الإنجاب، فيتم إرسالها للمناطق المنكوبة في العالم على شكل أكياس من الطحين والأرز والسكر، وذلك تحت مظلة «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية» التي ترى شعارها الودي فيه اليدان المتصافحتان مع عبارة: «هدية من الشعب الأمريكي الصديق».

وهذا كله فرع عن العقلية الأمريكية التي ترى أن أفضل طريقة للقضاء على الفقر ليست هي في زيادة الإنتاج ومشاريع الاستثمار؛ وإنما هي في القضاء على الفقراء أنفسهم، واستئصال الأرحام التي قد تحملهم!

وفي نفس الاتجاه قال «مرغريت سانغر» أحد نجوم الداروينية الاجتماعية في أمريكا: «إنَّ أرحم ما تفعله الأسرة الكبيرة لواحدٍ من أطفالها أن تقتله»!

إنها -يا أخي- حربٌ حقيقيةٌ على الفقراء والمستضعفين، حربٌ لم يخضها جيش، ولم يطلق فيها رصاص؛ بل كانت حرب القفازات النعامة في أيدي الجراحين وفقهاء القانون وأساتذة الجامعات ورجال السياسة.

د. محمد الأسطل

من علماء غزة وفقهائها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights