مقالات

د. محمد الأسطل يكتب: المهام السبع أمام قيادة الثورة السورية

سبع مهام أمام قيادة الثورة السورية يمكن أن يُغفل عنها في لحظة الانشغال بأحداث الميدان، وهي مركزيةٌ في الميزان:

المهمة الأولى:

القضاء على أكابر النظام السابق ورجال الدولة العميقة، فهؤلاء لا ينبغي أن يشملهم العفو، وإن لم يتم إعدامهم اليوم باستثمار الحراك الثوري أو نفيهم خارج البلد بحسب ما يستحق كلُّ واحدٍ منهم.. فإنهم هم الذين سيتولون تخريب البلد وإغراقه في سيلٍ من الأزمات بمجرد شعورهم بالأمن وابتعاد الأنظار عنهم.

وفي اللحظة التي عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة يوم الفتح وقال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء” نص على إهدارِ دمِّ عددٍ منهم بعضهم من أركان النظام القديم الذين كانوا يتولون محاربة الدين وقهر المسلمين وقال: “اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة”.

ولهذا يُتشدد في أوائل عهد تأسيس الدولة ثم يتخفف بعد أن تقوى وتتماسك،

ولهذا اشتد النبي صلى الله عليه وسلم على يهود بني قينقاع وقام بإجلائهم تمامًا من المدينة،

وكذلك فعل مع بني النضير، وكان الأمر أشد مع بني قريظة،

ولكن حين قويت الدولة وتمكنت عفا عن أهل مكة مع أنهم هم الذين آذوه في شخصه وفي أصحابه، واستثنى في تلك اللحظة من سيعمل على إفساد منجزات الفتح.

المهمة الثانية:

عدم استثارة الدول الكبرى في مصالحها خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فالمطلوب الآن تسكين الجبهات الدولية من غير الخنوع لها،

وذلك عبر طمأنتهم بعدم تضرر مصالحهم، ويبقون كذلك حتى يتمكنوا ويحسنوا الاختيار لأنفسهم بحسب معطيات اللحظة وما يمليه ميزان القوة.

المهمة الثالثة:

التيقظ لفقه الخطاب في مختلف الجبهات ومع مختلف الفئات.

وذلك أنَّ إحدى الأزمات المتكررة المعتادة في أوساط الإسلاميين في معظم البلاد الإسلامية هي أزمة الخطاب،

وكثيرًا ما تكون الأعمال عندهم أحسن من الأقوال، والثورة اليوم بعد انتصارها تحتاج أن تُخطط لأقوالها كما تخطط لأفعالها.

ولهذا ليس من المبالغ أن تُعقد ورشة (عمل) لمعرفة ما سنقول كما تعقد الورشات عادةً لمعرفة ما سنفعل، فالقول ليس أقل صعوبةً من العمل.

ومن النماذج المميزة في الخطاب المناسب في مثل هذه اللحظات -مع اختلاف الحال والبيئة والظرف- فضيلة الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل فرَّج الله كربه.

المهمة الرابعة:

البدء في كتابة الدستور وفق المرجعية الشرعية والقِيميَّة، بما يحقق للناس مصالحهم في الدين والدنيا.

وذلك أنَّ أي شعبٍ لا يمكن أن يتحرر بحسب الظروف المعاصرة إلا بإنجاز ثلاثة أمور:

الأول: القضاء على الدولة العميقة، وهو ما جاء في المهمة الأولى.

الثاني: كتابة الدستور، وهو مادة هذه المهمة، وإن لم يتم التعجيل به فإنَّ رجال الثورة سيعتمدون القوانين الحالية المعروفة،

وتصبح رحلة تغيير كل قانون تستغرق بضعة أشهر بحسب الإجراءات القانونية المعتادة، ومن ثم يحصل التراخي والكسل في ذلك،

ولاحقًا يمكن أن يصبح رجال العلم والثورة جزءًا من تكريس حالة الطغيان الموجودة في كثيرٍ من القوانين مع أنهم ما ثاروا إلا انتفاضًا عليها وعلى ما يتصل بها.

فالقيام بمشروع كتابة الدستور في مطلع تاريخ انتصار الثورة يريحها من جهد عددٍ من السنوات ويقيها من كثيرٍ من التبعات.

الثالث: التحرر من التبعية الدولية، وهذا مشروعٌ كبير وهو على مستوى الأمة ويحتاج جهودًا كبيرة،

وليس بإمكان الثورة الآن تحصيله ولكن يمكن البدء في بعض مقدماته، والمقام أضيق من الكلام على طرائق ذلك.

المهمة الخامسة:

تكوين مجلس حكماء الثورة.

ومن وظيفة هذا المجلس: إبقاء النفس الثوري حاضرًا حتى يتم إنجاز المهام الكبرى مثل القضاء على رجال النظام القديم،

وتأسيس مؤسسات الدولة من جديد، والتعامل الفطن مع المكر الدولي الكُبَّار الذي ستبدأ فصوله الآن.

ويضم هذا المجلس بعض العلماء والمفكرين والسياسيين وأصحاب الخبرة ورجال الاقتصاد،

وهم الذين يتواصلون مع المفكرين والخبراء في مختلف الساحات لتُحفظ منجزات الثورة وتتم أهدافها على أعلى ما يكون من البصيرة.

ومن ثمرات هذا المجلس: حفظ استقلال البلد بقراره، فلا ينبغي الارتهان لأي طرفٍ ولو كان صالحًا،

ولهذا يمكن الاستفادة من تركيا أكبر المستفيدين من انتصار الثورة، ولكن استقلال القرار يخدم عند التعارض في المصالح.

المهمة السادسة:

ترتيب البيت السوري الداخلي لا سيما في أروقة الإسلاميين.

فهذه اللحظة الفارقة يلزمها فضلٌ متبادلٌ بين الجميع، والكل ينتظم في مشروع بناء البلد، فليس المقام مقام خصومات وتصفية حسابات، وقيل وقال.

وإنَّ العدو سيعمل على إذكاء عوامل الفرقة.

ومن الملاحظ في عددٍ من الساحات أنَّ التحلي بصفة {أشداء على الكفار} تكون أسهل من صفة {رحماء بينهم}،

وليس من إشكالٍ ألا يتم الوفاق ببقاء قدرٍ من الخلاف، ولكن المهم إدارة الخلاف على قواعد الدين والخلق والرجولة والفضل.

المهمة السابعة:

حسم العلاقة مع داعش؛ فالسياق في هذه اللحظة يتطلب الشدة لا الرفق، وليس المقام مقام قرع الحجة بالحجة.

ولا بد للخطاب أن يقوم على أنَّ هناك أعداءً للثورة، وأن العدو يمكن أن يوظفهم فيما يريد ولو كانوا مخلصين في نفس الأمر،

وأن الثورة ستواجه المتهمين بتخريب البلد، ويقول رجال الثورة في خطابهم:

إننا متوقعون من أحداث فلتان من خلال أدواتٍ يوظفها الأعداء فيما يريدون، وأننا سنقف لكل محاولة تخريبٍ للبلد بالمرصاد.

وبهذا الخطاب يتم قطع الطريق على الأطراف الغربية التي تعتاد اتهام الإسلاميين بعدم ضبط الأمور والتسلل من هذه البوابة للتحكم في البلد أو إحداث خرابٍ فيه.

ويمكن الاستفادة من خطاب حركة طالبان لحظة الانسحاب الأمريكي؛ فقد كان ناضجًّا في هذه المسألة.

نصر الله إخواننا السوريين ومكَّن لهم وجعل بلادهم عاصمةً من عواصم الإسلام.

د. محمد الأسطل

من علماء غزة وفقهائها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى