د. محمد الأسطل يكتب: هل انتصرت غزة في معركة طوفان الأقصى أو لا؟ (1-2)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد:

فقد اعتدنا بعد كلِّ معركةٍ أو جولةٍ عسكريةٍ أن نسمع خلافًا حول سؤالٍ خلاصته: هل انتصرنا أو لا؟ مع أنَّ المقاومة في كل مرةٍ كانت تخرج بإنجازِ عددٍ من المطالب،

وتحقيق عددٍ من الشروط والمكاسب، وإجبار العدو على التوقيع عليها والخضوع لها،

ولكن في هذه المرة جاءت معركة طوفان الأقصى وقد سحق العدوُّ فيها كلَّ شيءٍ سحقًا حقيقيًّا،

فإذا كان الكلام في كلِّ معركةٍ من باب المبالغة والتوسع في الوصف فهو اليوم من باب الواقع.

وهذا يعني أنَّ السؤال له وجاهته الآن.

ولكن لما كانت أطراف الجواب متشعبةً وكانت هذه القضية محل جدالٍ ولغطٍ رأيت أن أجمع أطراف القول في مقالةٍ واحدةٍ مطوَّلة،

وهي تخدم الحريص على الفهم، وأجعل الكلام موزعًا على أربعة محاور كما يلي:

المحور الأول: لا بد من ميزانٍ حاكم:

تيسيرًا للجواب لا بد من ميزانٍ ننصبه يكون كالمسطرة يتضح به هل انتصرنا أو لا؟، وعلى هذا:

– فإذا كان الميزان هو الخسائر المادية.. فإنَّ ما أصابنا من القتل والمجازر وسحق العمران في البلد من مساجدَ وبيوتٍ وجامعاتٍ وكلياتٍ وبنيةٍ تحتيةٍ وغير ذلك أضعاف

ما أصاب عدونا، ولا شك على هذا الميزان أننا مهزومون لعظيم ما نزل بنا.

– وإذا كان الميزان هو الأهداف:

فإنَّ الأهدافَ التي رفعتها المقاومة تحقق بعضها؛ كالتصدي للوتيرة المتسارعة في تهويد المسجد الأقصى،

والقضاء على فكرة القضاء على القضية الفلسطينية، وقطع الطريق على مخطط دمج العدو الصهيوني في المنطقة،

وكذا قطع الطريق على الحرب الشرسة التي كان العدو يعد لها ويريد مباغتة القطاع بها،

ووقفت المعركة عند نقطةٍ بدأت فيها رحلةُ تحقق عددٍ من الأهداف في مقدمتها تحرير الأفواج الأولى من الأسرى،

وبعض الأهداف لا يظهر في الأفق القريب أنها تتحقق ككسر الحصار المفروض على قطاع غزة.

وأما الأهداف التي أعلنها العدو مطلع المعركة وكررها عشرات أو مئات المرات وهي: استعادة الأسرى الإسرائيليين،

والقضاء على حركة حماس وتفكيك قوتها وقدراتها العسكرية، وإزالتها عن الحكم لئلا تشكِّل غزة تهديدًا للكيان من جديد..

فلم يتحقق شيءٌ منها وإن كان حجم المصاب ضخمًا.

لا شك أننا منتصرون

وعلى هذا الميزان فلا شك أننا منتصرون لتحقق بعض أهدافنا دون أهداف العدو خاصة أن نتنياهو جعل الأهداف الثلاثة المذكورة هي معيار النصر وكرر هذا عشرات المرات،

وأنصح بتنزيل مقاطع خطاباته قبل أن تحذف من اليوتيوب؛ فإنَّ الظنَّ أنها إن لم تكن قد حذِفت أنها ستحذف عن قريب.

كما أنَّ ثمة هدفًا اشتغل عليه العدو بكلِّ قوةٍ وإصرارٍ وإن لم يعلن عنه بشكلٍ رسمي وهو تهجير أهل البلد إلى سيناء وما قاربها،

وقد مكث بضعة أشهر يقصف مدينتي غزة والشمال قصفًا بركانيًّا مجنونًا ليُجبِرَ الناسَ على الخروج،

ولهذا كان يسمح بالتوجه جنوبًا من غير عكسٍ، ويطالب الناس بذلك عبر أوراق ينزلها بالطائرات،

ويتكلم كثيرٌ من أزلامه في الإعلام أنَّ الذي فعلته غزة يستحق التهجير لإزالة الخطر.

وفي لحظةٍ واحدةٍ كان قريبٌ من ثلُثَي سكان قطاع غزة متواجدين في مدينة رفح، وخاف كثيرٌ من الناس من التهجير وعدُّوه شبحًا يمكن أن يحصل في أيِّ لحظة،

وقد كان قريب الحصول فعلًا، ومع ذلك كله فقد فشل العدو أيضًا في تنفيذ هذا المخطط رغم أنه كان يشتغل عليه منذ أمدٍ بعيد،

وحاول ترامب في ولايته الأولى فرضه عبر (صفقة القرن)، ومثَّلت هذه المعركة فرصةً كبرى لفرضه بحكم أنَّ غزة هي من بدأت المعركة،

ومع ذلك فقد فشل هذا المخطط بفضل الله.

فأي الميزانين أولى بالاعتبار؟!

في رأيي أنَّ هناك ميزانًا أدق في إظهار النتيجة سيأتي الكلام عنه بعد قليلٍ إن شاء الله،

على أنَّ الميزان الأول يأتي ما يرده في خواتيم المحور الثالث بإذن الله.

المحور الثاني: سؤال الانتصار ليس سؤال الوقت:

قناعتي أنه لا ينبغي إقصاء القول في أي قضيةٍ إلا إذا كان يدعو لتركها مصلحةٌ معتبرة أو ينبني على طرحها مفسدةٌ معتبرة،

وقد تتزاحم المصالح أو المفاسد وتفتي الحكمة حينئذٍ بما يناسب بحسب السياق والحال.

ومسألة الانتصار من عدمه عقب المعركة هي من أسئلة الوقت وليست هي مسألة الوقت؛

أعني أنها يمكن أن تطرَحَ ضمن ما ينبغي تقريره دون أن تكون هي المسألة الأبرز التي تسيطر على الخطاب،

مع توفر الجدية فيها لا أن يكون الباعث عليها مجرد الأخذ والرد واللغط وتصفية الحسابات.

أما قضايا الوقت فهي كثيرةٌ من أهمها:

– أنَّ الشعبَ المُنهَكَ من آثار الحرب على مدار 471 يومًا يحتاج الآن إلى كلمةٍ تواسيه تخفِّف عنه ضخامة المصاب،

وتذكِّره بما عند الله من الأجر والثواب، وإنه لن يُواسِيَ المُصابَ بفقد بيته أو أحدٍ من أهله وأقاربه وأصدقائه أو كان من الجرحى الدخولُ في الأخذ والرد والتيه والجدل.

بل يمكن أن يتحول هذا الكلام إلى آلامٍ جديدةٍ تزيد من الألم، خاصة وأنه بمجرد الدخول في حيز التهدئة تخرج زفراتٌ كانت كامنة،

وتستيقظ آلامٌ كانت نائمة، فالشعور بالمسؤولية يُملي على كلِّ شخصٍ أن يُحسن الوقوف في خدمة الناس والتخفيف عنهم،

لا أن يحرص أن يدخل في دوامة الجدل لينتصر لرأيه، فالأمر -والله- أكبر من ذلك.

وبلغةٍ أخرى:

فإنَّ المقامَ الآن لا زال مقام نصرةٍ لا مقام تقييم، فإذا خفَّ المصاب وقام الناس بواجب المواساة فبعدها يكون ما يكون من الخطاب الذي ينقد ليبني ويصلح لا ليهدم ويكسر.

وأنا أتكلم بهذا وعندي ما أنتقد به، ولعلي أسطره فيما يُستقبل إن شاء الله، لكن فكرة (واجب الوقت) فكرةٌ شرعيةٌ عظيمة؛

فهناك شيءٌ ينبغي أن يُقال في الوقت دون غيره، فهذا الكلام ليس دعوةً لإقصاء القول في المسائل؛ وإنما تبصرة بوضعه في موضعه.

على أنه لا يُثرَّبُ على من يتكلم الآن ولو بنقدٍ إذا كان على قاعدة الحكمة

ولم يحصل الاجتزاء بتناول هذه المسألة دون ملاحظة بقية أجزاء المشهد وما فيها من واجبات ومهمات، والحكمة رزق.

– ثم إنَّه قد مضت أيامٌ وأيام وأيامٌ والناس مستيئسون من وقف إطلاق النار،

وكان العدو يناور ويستهلك الوقت وليس عنده نيةٌ لوقف إطلاق النار حتى تركع غزة وتستسلم،

وكان ماضيًا في احتلال مدينتي غزة والشمال، فإذا تفضَّل الله وثبَّت ورفع الغمة انشغل الناس بهذا عن واجب الشكر وحمد الله!

فهذا وقت ثناءٍ وحمدٍ وشكرٍ لله تعالى.

وإنَّه لمن السُّنَّةِ الثناءُ على الله بعد المعركة حتى لو كانت هزيمةً فكيف لو كانت نصرًا ساحقًا أو نصرًا لم يكتمل.

فقد روى الإمام أحمد في مسنده أنه لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«استووا حتى أُثنِيَ على ربي»، فصاروا خلفه صفوفًا فقال:

«الّلهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت ولا مضل لمن هديت،

ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت، ولا مُقَرِّبَ لما باعدت ولا مُباعِدَ لما قربت.

اللهُم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك.

اللهمّ إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول.

الّلهم إني أسألك النعيم يوم العَيْلَة والأمن يوم الخوف.

اللهمْ إني عائذٌ بك من شرِّ ما أعطيتنا وشرِّ ما منعت.

اللهُم حَبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

اللهمّ توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.

اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم رِجْزَك وعذابك.

اللهُم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق”.

والكلام فيما وقع يوم أحد ليس المقام له الآن، ويكفي أن تعلم أن ما حصل هو هزيمة إلا أنها لم تكتمل، كما أنها لم تكن أكبر مما كان يمكن أن تصير إليه تفاعلات المشهد.

المحور الثالث: مرتكزات معيارية في تحديد النصر والهزيمة:

هذه النقطة مهمة، وهي بيت القصيد.

وبعد تأملٍ يمكن رصد خمسة مرتكزات بمجموعها نستطيع الإجابة بدقةٍ عن سؤال: هل انتصرت غزة في معركة طوفان الأقصى أو لا؟

المرتكز الأول:

أنَّ القويَّ إذا لم يكسر عدوه فهو مهزوم، وإنَّ الضعيف إذا لم ينكسر فهو منتصر.

المرتكز الثاني:

أنَّ صورةَ النصر في تجارب الشعوب التحررية لها توصيفٌ خاص، دلَّت عليه التجارب، ويشهد بصحته المنطق، وهو جارٍ على مقتضيات فقه السنن،

خلاصته أنَّ النصر مرحلة الاحتلال يكون بعدم القبول بالاحتلال من خلال رفض التعايش معه،

وعدم الاستسلام له، والعمل الدائم على استنزافه بالوسائل العسكرية وغيرها؛

لتكون التكلفة التي يدفعها أضعاف المكتسبات التي يحققها، ومن تبعات ذلك يُضطَّر أخيرًا إلى الانسحاب.

هذه صورة الانتصار في جميع حالات التحرر، ولا أعلم لها استثناءً، ولو وُجِد لكان قليلًا أو نادرًا لا يُقاس عليه.

وعلى هذا؛ فالصورة المعروفة بين الجيوش عادة والتي يتمكن فيها طرفٌ من سحق الطرف الآخر سحقًا تامًّا

فهذه صورةٌ موجودةٌ في الأذهان لا وجود لها في واقع الشعوب التحررية،

بل لو كان هذا هو ميزان النظر لكان الجيش المحتل هو الأقدر على السحق بالشعب الذي يحتلُّه؛ لفارق ميزان القوة الذي يتمتع به،

وما صورة غزة الآن وجباليا على وجه الخصوص إلا شهادةٌ حيةٌ على ذلك.

وقد أقام الله أمر عباده على قانون السنن الجارية لا الخارقة، وكان آخر المعجزات الخارقة إغراق فرعون وجنده،

ثم شرَّف الله عباده المؤمنين بمهمة الجهاد في سبيله ليتولوا تأديب المجرمين في الأرض نيابةً عن عقوبات السماء من مثل الخسف والصيحة والإغراق وغير ذلك.

على أنَّنا في حالة الاحتلال الصهيوني نرجو أن تكون نهاية المطاف بسحقه وتدميره، وذلك بترجيح القول:

إنَّ ما يجري هو الإفساد الثاني الكبير والذي جاء فيه قوله سبحانه:

{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}

[الإسراء: 7]، وختام الآية هو الشاهد؛ فإنَّ التتبير هو الإهلاك والتدمير.

المرتكز الثالث:

أنَّ معيار النصر والهزيمة يتحدد بحسب معطيات اللحظة وموازين القوة وقواعد الحرب الناظمة.

وبناءً على ذلك؛

فيمكن أن يكون الإنسان في حالة فرارٍ ويُسمَّى منتصرًا إذا تمت له النجاة، وذلك بحسب السياق ومعطيات اللحظة.

ومن ذلك مثلًا:

ما حصل في غير حالةٍ في هذه الحرب من قيام جنود العدو الصهيوني بمداهمة منطقةٍ في جوف الليل مع طيرانٍ كثيفٍ وذلك بهدف اعتقال مجاهدٍ يمتلك معلوماتٍ مهمة،

وبالفعل يتمكنون من الوصول إلى المكان الذي توجد فيه خيمة المجاهد،

ويقومون بتطويق قطعة الأرض، ثم تنهمر الطائرات من فوق والدبابات من تحت لضمان نجاح العملية،

ويتقدم الجنود جهة الخيمة ويكون المجاهد فيها وليس بينه وبينهم إلا أمتار ثم يتمكن من الفرار في تفاصيل مثيرة!

أعرف بعض الحالات من هذا؛ فهذا الفرار يعدُّ انتصارًا بحسب معطيات اللحظة، ولا يقال: إنَّ المجاهدَ فارٌّ وبالتالي فإنَّه مهزوم.

ودليل ذلك من الوحي:

أنَّ النبيَّ لما قررت قريشٌ أن تغتاله، وجهزت مجموعةً للقيام بالمهمة وقاموا بتطويق بيته ثم خرج مهاجرًا

ومكث في غار ثور ثلاث ليالٍ حتى هدأ الطلب ثم واصل الطريق حتى تمكن من الهجرة إلى المدينة..

سمى الله نجاته من الكفار نصرًا مع أنَّ الصورة صورة فرار وأن ذلك معقوبٌ بالإخراج من الديار لكن السياق يتكلم كلمته، وذلك في قوله سبحانه:

{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ همَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

[التوبة: 40].

والمقصود أنَّ المعركة إذ انتهت وقد نجَّى الله بلدنا من القوم الظالمين فهذا نصرٌ مبين.

ومن تتمة القول أن يقال: يمكن أن يكون للناظر رأي مخالفٌ لقرار معركة الطوفان،

ولكن بعد أن اندلعت الحرب ووقعت الواقعة وأصبحنا في جوف الحدث فالرأي يتحدد بحسب معطيات اللحظة،

أعني بذلك أن النصر يمكن أن يتم للمقاومة سواء كان التقدير في قرار المعركة صائبًا أو لا.

المرتكز الرابع:

قد لا يظهر معنى النصر على المستوى الفردي ولا حتى على مستوى منطقةٍ بعينها؛ ولكن يظهر على مستوى عموم البلد وعموم الأمة:

ومن الدلائل التي تبرز ذلك مثلًا: أنَّ المعركة جاءت والعدو متحكمٌ بالبلد من كلِّ وجه، وقد قطع أشواطًا كبيرةً في تصفية القضية،

وفي جعل تصفيتها قرارًا متفقًا عليه من أكثر الدول العربية لا سيما الدول المُطبِّعة،

كما صرح نتنياهو قبل سنواتٍ قليلةٍ أنهم أخطأوا حين أرادوا عمل تسويةٍ مع العرب من خلال عقد صلحٍ مع الفلسطينيين،

وقال: لقد أضعنا في هذا المسار ثلاثين سنة، ورأى أنَّ الصواب يكمن في العكس؛

وذلك بأن يتم فرض الحل الذي يرونه مناسبًا على الفلسطينيين من خلال عمل تسويةٍ مع العرب والاجتهاد في الاندماج في المنطقة ما أمكن.

ومن ثم بدأ مشروع التطبيع والذي يقصد إلى دمج العدو الصهيوني في المنطقة،

ومن إفرازاته أن يصبح القضاء على غزة وكذا من يشَغِّبُ في الضفة والداخل كلمةَ إجماعٍ من الدول العربية لا سيما المُطَبِّعَة منها.

وتسارعت خطوات هذا المسار، حتى إنَّ نتنياهو كان يخضع لإملاءات المقاومة في السنوات الأخيرة،

وظهر غير مرة بمشهد الهزيمة والانكسار لصالح تمرير المخطط السياسي الذي يريد.

فجاءت هذه المعركة تعَكِّرُ صَفوَه وما يخطط له، وتمثل أنموذجًا ملهمًا لأبناء الأمة،

وتضع الأمة على الطريق لتعرف أصدقاءها وأعداءها، ويتضح لأبنائها وضوح الشمس أنها:

– محكومةٌ من أنظمةٍ خائنةٍ وكيلةٍ للاستعمار، مما يعني أنها لا زالت محتلةً ولكن بنمطٍ جديدٍ من الاحتلال عنوانه الاستقلال الصوري.

– وأنَّ العدو لا يستهدف فلسطين وحدها؛ بل إنه بمجرد تمكنه من فلسطين في نيته أن يذهب حتى نهر النيل من مصر بما يبتلع شبه جزيرة سيناء،

وإلى نهر الليطاني في لبنان، وأكثر الأردن، وبعض المناطق في العراق وكذا سوريا وشمال السعودية.

مخطط “إسرائيل الكبرى”

ويمكن أن تدخل إلى مخطط “إسرائيل الكبرى” لترى خطتهم في ذلك،

والتي ربما تكون هي المقصودة كلًّا أو بعضًا في كلام نتنياهو بالعمل على صياغةٍ جديدةٍ للشرق الأوسط،

وذلك عقب تمكنهم من قتل عددٍ كبيرٍ من قيادات حزب الله وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله وشعورهم بأنهم قضوا على حزب الله وعطَّلوا جبهة الإسناد لغزة.

صحيح أنَّ المعطيات لا تبلِّغهم ما يريدون، بل هم أذلُّ وأحقرُ من ذلك، لكنهم ماضون فيه ما استطاعوا، وهذه المعركة قلبت كل الأوراق،

بل ووفَّرت سياقًا خادمًا للثورة السورية حتى انتصرت بفضل الله، فالنصر يمتد لعموم الأمة وعموم البلد في هذا الجيل وما بعده،

بما قد لا يدركه الفرد على مستواه الشخصي أو حتى على مستوى المنطقة التي يعيش فيها.

يتبع

د. محمد الأسطل

من علماء غزة وفقهائها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights