د. محمد الشرقاوي يكتب: مع أستاذ الأساتيذ.. شيخ العربية العلّامة تمام حسّان
كنت طالبا بالسنة الثالثة في كلية دار العلوم، حين ترك أستاذنا الكبير محمود قاسم عمادة الكلية، وخلفه فيها أستاذنا تمام حسان.
وقد أسعدني ذلك سعادة غامرة؛ لسبب غير علمي على الإطلاق.. ولكن فقط لأن أ.د. تمام حسان بلدياتي وصعيدي مثلي!!
وفكرت أن أفعل شيئا أُظهر به سعادتي بتولي أستاذنا تمام حسان عمادة كلية دار العلوم، وهو ابن محافظة قنا أقصى صعيد البلاد، وشعرت – حينها – بأن الواجب يلزمني بذلك!!
وأخذتني حيرة شديدة.. فأنا لم أزل طالبا مغتربا ضعيف الإمكانيات أو معدومها، وهذه مناسبة غالية لا ينبغي أن تمر بدون فعل شيء احتفالا بها وتكريما لأستاذنا وعميدنا (ابن محافظة قنا).
وألهمني ربي بفكرة رائعة لا أعرف – حتى اليوم – كيف هبطت إلي من (المحل الأرفع)!!
اتصلت بأستاذنا، كبير نواب البرلمان إسماعيل معتوق رحمه الله، وكان رئيسا لنادي ابناء محافظة قنا بالقاهرة، ويشغل النادي مساحة كبيرة في عمارة مقابلة لفندق هيلتون بميدان التحرير.
استدعاني الدكتور معتوق إلى بيته، وأقنعته بأهمية أن يحتفل أبناء قنا بتولي الأستاذ الدكتور تمام حسّان عمادة دار العلوم.
ووافق الرجل على إقامة حفل عشاء بمقر النادي تكريما للعميد تمام حسّان.
أسعدني الرجل بهذا سعادة يصعب وصفها وقلت له: يا أستاذنا وكيف سندبر التكاليف المالية لاحتفالية يحضرها ثلاثون أستاذا وضيفا؟! وتجاسرت وأكملت: وأنت تعرف حالي!!
قال الرجل مبتسما ومعجبا (ربما من صراحتي معه أو من قدرة تلميذ قادم من أعماق الصعيد على التفكير بمثل هذه الطريقة والتحاور معه وهو النائب المخضرم والأستاذ الجامعي للغات الشرقية ورئيس النادي).
قال الرجل: ولا يهمك يا ابني، أنا سأتولى دفع تكاليف الاحتفالية من جيبي، وسأكون سعيدا بهذا عشان خاطرك وخاطر أستاذك العميد!!
وكلفني بكتابة قائمة بأسماء أساتذة الكلية الذين أحب دعوتهم لتكريم العميد تمام حسان، وطبع الرجل مشكورا دعوة باسم النادي وقال لي وزّعها على أساتذتك.. وقال: وأنا سأدعو بعض الشخصيات من الذين يعنيهم هذا الأمر.
وحددنا الموعد والتاريخ، وحدث خطأ مني -لقلة خبرتي- لأنني لم أدع أستاذنا محمود قاسم إلى حفل التكريم هذا!!!
وقد ذهبت قبل الموعد إلى مقر النادي بميدان التحرير.. وكان من أوائل من حضر: الشاعران الكبيران الحساني حسن عبد الله وعبد اللطيف عبد الحليم، وكان أبو همام سعيدا جدا بالمشاركة في تكريم أ.د. تمام حسان.
وبعد قليل وقعت المفاجأة الكبرى بالنسبة لي، إذ حضر الدكتوران تمام حسان ومحمود قاسم، ودلفا إلى مقر النادي متشابكي الأيدي!!
وشعرت بحرج شديد، وتقدمت للسلام عليهما -وأنا أشعر بخجل وتلعثم- فحياني أستاذي محمود قاسم وشد على يدي مشجعا.
وبدأ الحفل بكلمات وقصائد شعرية، وفوجئت بأستاذنا محمود قاسم يقف ويلقي كلمة جميلة حيا فيها العميد الجديد وأشاد بأصالة التقاليد الصعيدية وقال مبتسما: أنا أتكلم رغم أنف ابني محمد الصعيدي (يقصدني طبعا)، لكن الرجل الكبير أثنى علي ما قمت به.
وكان رئيس النادي قد افتتح الحفل بكلمة ترحيب ألقاها بلهجته الصعيدية الخالصة.
كانت ليلة درعمية صعيدية رائعة.. شعرت بعدها أنني قد وفقت في أداء واجبي تجاه أستاذي الكبير تمام حسان، رحمه الله ورحم كل من انتقلوا من أساتذتنا وإخواننا.