د. محمد الموسوي يكتب: أفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح (49)
للحقيقة وجه واحد ولا أقنعة له، ووجهها لا يضاهيه وجه ولا يغطيها جبروت وإن علا، وقد تنطلي الخديعة على البسطاء أياماً أو سنوات لكنها لن تطول فالحقيقة أبدية مشرقة لكنها تحتاج عند البعض إلى المعرفة التي يمكن إدراك وقراءة الحقائق من خلالها.
أثار استغرابي ودهشتي حديث جُند الكهنة ووسائل إعلامهم بشأن الانتخابات ونتائجها والقول بأن 41% من المؤهلين للتصويت قد شاركوا في الانتخابات، وهذا منافٍ للحقيقة تماماً فبعض وسائل الإعلام ومراقبين مهنيين راقبوا ذكروا بأن نسبة المشاركة لم تتخطى الـ 8% من أجمالي المؤهلين وهذه النسبة أيضا لا تمثل التأييد الشرعي لكهنة الحكم في إيران إذ أن عدداً كبيراً من الناخبين المشاركين موظفون حكوميون وقد أُكرِهوا على التصويت حفاظا على وظائفهم، وآخرين تم ترغيبهم في المشاركة بسبب فقرهم وحاجتهم وعادة ما يجتمع الجهل مع الفقر والحاجة، وتلك هي الأوساط التي يناور فيها النظام بكل ما أوتي من قوة لخداع المنكوبين من الناس ومع ذلك لم يُفلح، ويدرك نظام الكهنة هذا مسبقا بأن النتائج لن تكون بأدنى قدر يمنحهم شرعية الحكم لكن الانتخابات لابد منها لالتقاط بعض الصور اللازمة لتغطية للتسويق الإعلامي خاصة أمام تيار الاسترضاء المساند للملالي في الغرب.
لكهنة ولاية الفقيه ووسائل إعلامهم أن يقولوا ما يحلو لهم فذاك نظامهم ولابد من تلميعه لكثرة ما تراكم عليه من صدأ وحاجته الفائقة للظهور بمظهر شرعي؛ لكننا كأمناء على الكلمة والحقائق لا نستطيع أن نقول ما يحلو لنا احترامنا لذاتنا وللقارئ، وتأكيداً على التزامنا بسلامة النصوص لدينا نتساءل وندعو الصادحين بحمد النظام داخل إيران وخارجها للتساؤل أيضاً كيف يمكن تفسير فوز محمد باقر قاليباف مجدداً في هذه الانتخابات التشريعية خاصة في ظل مقاطعة الشعب للنظام وسيناريوهاته المعدة نتائجها مسبقاً سواء في انتخابات المجلس أو انتخابات رئاسة الجمهورية أو انتخابات مجلس خبراء مصلحة النظام، كيف يفوز قاليباف وآخرين بعضوية ما يسمى بـ مجلس شورى النظام مجدداً في حين تسقط أهلية 22 عضواً من أعضاء المجلس الآخرين ولم تتناول وسائل إعلام الملالي سبب سقوط أهلية هؤلاء الـ 22 عضواً، والحقيقة هي أنه تم توجيه غالبية الناخبين من الحرس وعوائلهم والبسيج وعوائلهم وعناصر الشرطة والأمن وعوائلهم نحو الصناديق لصناعة الفوز لمن يوالي النظام منصهراً فيه وليس وفق حقائق انتخابية.. ولا تقتصر عملية القفز على الحقائق بشأن مجلس شورى النظام فحسب بل شملت أيضاً مجلس الخبراء الذي تساقطت منه أوراق كثيرة للنظام ليس لعدم أهليتها داخل النظام فالكل شركاء في قمع الشعب الإيراني وما أحدثه النظام من جرائم في الداخل والخارج لكن هشاشة موقف النظام تتطلب انتقائية عالية تضمن لنظام الولي الفقيه وحرسه البقاء مع ضمان الامتيازات.
المُلفت للانتباه أيضا في هذه الانتخابات الأخيرة زيادة مضاعفة في عدد المرشحات من النساء فقد سجلت 1713 امرأة في هذه الانتخابات وهو ما يفوق ضعف العدد السابق، بالإضافة إلى الاهتمام بمرشحي الأقليات الدينية؛ وفي ذلك مناورة لتسويق النظام وتبرير اسناده من قبل تيار الاسترضاء في الغرب.
أحد أكبر الأدلة على تفسخ النظام في داخله ورفضه لشرعيته الذاتية هو دعوة مصطفى تاج زاده نائب وزير الداخلية في حكومة حقبة الملا خاتمي، وفائزة هاشمي رفنسجاني ابنة الرئيسي الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني من داخل السجن إلى مقاطعة الانتخابات كلياً لأن المشاركة فيها ستعطي شرعية باطلة لعملية سياسية باطلة..، وكذلك يعني دخول أشكال جديدة إلى كلا المجلسين (شورى النظام وخبرائه) أن عملية العد التنازلي داخل النظام قد دخلت مرحلة الانحدار السريع نحو مثوى الكهنة الأخير.. لذا لا نستغرب تلك التناقضات وهذا التخبط داخل أروقة النظام، ونعود ونقول إن مرحلة النظام المقبلة هي مرحلة (حرسٌ، وواجهاتٌ، وصور)..
وللحديث بقية..
وإلى عالم أفضل.