د. محمد الموسوي يكتب: أفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح (50)
لن تُجهد نفسك كثيرا حتى تتكشف لك حقيقة نظام الحكم القائم باسم الدين في إيران، وقد بدأ في ظاهره وادعائه جعفريا ثم لم يلبث أن أدرك حقيقة ذاته المدعية فأسقط طوال مسيرته وأهلك رموزاً جعفرية حقيقية من ذوي العلم والأهلية، وبدأت الخطابات والشعائر الدينية المتعلقة بالولاء للرسول الكريم وآل البيت الأطهار تأخذ مساحتها في الوجود داخل مجتمع يُدرك الغرب والملالي معا أنه من السهل ترويضه من هذا المدخل؛ فهو بالفطرة متصوف ونقي محافظ ويمكن أسره بهذه الشعارات وتلك الشعائر، لكن الملالي رغم من يملكونه من خطاب ملتوٍ ومخادع إلا أنهم لم يجدوا لهم سنداً سوى الغوغاء الطفيلية في المجتمع وجعلوا منهم زمر وكيانات مسلحة ليواجهوا بها النخبة الرافضة لهم، وعموم المجتمع الذي سيرفضهم ويلعنهم عما قريب وقد فعل وخرجت منه أكبر معارضة متنوعة في العالم، وبرزت له أقدم وأوسع مقاومة تاريخية بدأت طريقها رافضة لدكتاتورية الشاه وواصلت الطريق ذاته بعدما تكشفت نوايا الكهنة.
مسيرة الكهنة التي بدأت بالسطو على ثورة الشعب وتضحياته ودثر طموحاته وصلت إلى نقطة لم يعد فيها الاتكاء على الوضع الداخلي كافيا للاستمرار لذلك اتجهت نحو التوسع بتشكيل وتمويل جماعات خاوية طفيلية نفعية لا مبدأ لها ولا صحة فيها سوى أنها مستعدة للانضواء تحت لواء كهنة إيران بطاعة مطلقة، فعلى سبيل المثال آوت بعض الشيعة المحسوبين على العراق للاستفادة من تاريخ عوائلهم كمراجع دين لهم اسمٌ مؤثر في أوساط الشيعة العراقيين البسطاء الذين سطوا على خمس أموالهم ولم يوجهونها للمنعة العامة كما ينبغي بل وجهوها لخدمة مصالحهم الشخصية ووفرت منفى مُنعم لهم خارج العراق في إيران وغيرها من الدول، كذلك وجد الكهنة هُزالاً وشقاقاً في أوساط هؤلاء فعادوا ومولوا ودعموا من أوقف الشاه دعمهم وتمويلهم وتسليحهم بعد اتفاقية الجزائر وكذلك دعموا جماعات أخرى تحت مسميات إسلامية رغم اختلافهم العقائدي معهم كما دعموا جماعات علمانية وماركسية عراقية وتركية دعما لتوجههم السلطوي وهو ما يتنافى مع ادعاءاتهم وشعاراتهم الجوفاء باسم الدين والمذهب الجعفري وإسلامية السلطة فلا أعتقد أن الماركسيين والعلمانيين يؤمنون بجمهورية الكهنة الإسلامية أو شعاراتهم لكن هناك ما يربط تلك الأطراف بمشروع الكهنة السلطوي، والشهود المنصفين على أحداث تلك المرحلة من أبناء النخبة الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين والبحرينيين وغيرهم يقرون بذلك ومنهم من كان من أولي القربى أو أوهموه بذلك في نظام الكهنة.. كذلك أيضا بسطاء الناس الذين عايشوا هذه المسيرة الغبراء ممن لا ناقة لهم ولا جمل كانوا خير شاهد على ذلك.
خدعوك فقالوا إسلامية، واستمرت الخديعة بدعمٍ غربي فأوهموك بأنها جمهورية، وخدعوا الشيعة فأوهموهم بأنها جمهوريتهم وضالتهم المفقودة يحكمهم خليفة الله وخليفة إمام الزمان مستخلف عليهم وطاعته واجبة، وخدعوك فقالوا ألا أن حزب الله هم الغالبون ولا أحزاب إلا حزب الله؛ فقتلوا العملية السياسية وقضوا على التعددية في بادئ بغيهم، وعندما يتطلب الأمر تجدهم صهاينة أكثر من الصهاينة أنفسهم ويمارسون ميكيافيلية لا تضاهى في أي مكان بهذا العالم وخرجوا على الناس بمسرحية الإصلاحيين والمحافظين بعد افتضاحهم وفشلهم وتهالكهم ليحافظوا على دفة الحكم في مسرحية مفضوحة عَلِم كل لاعب فيها دوره وأسلوب أدائه، وعلى سبيل المثال لم يمس كروبي ولا مير حسين موسوي ولا خاتمي ولا أي مما يسمون بالإصلاحيين.. لم يمسوا أفعى كهنة النظام بسوء لا من رأسها ولا من ذيلها ولا من وسطها ولا مقدمتها، ولم تكن محاولاتهم تلك إلا لتقوية نظام كهنة ولاية الفقيه واستعراض وإعلان قوته واقتداره أمام العالم، لكن الملفت للانتباه لدى هؤلاء الكهنة أنهم من كثرة كذبهم أحالوا كذبهم هذا إلى حقائق يريدون تسويقها على الشعب الذي بات يثق بالشيطان ولا يثق بهم فالشيطان لم يدعي الإيمان ولا القيم والمثل العليا لكنهم ادعوا ذلك، وكلا طرفي التسمية (محافظين.. وإصلاحيين) خرجا من عباءة الولي الفقيه ويستظلان بفيها ويتنعمان بعطاياها وامتيازاتها وحمايتها ولم ينقص أفرادها شيئا ولم تتأثر رفاهيتها بنقص ما حتى وإن كانت خارج السلطة.. لكنهما اليوم قد وصلا إلى مرحلة احتراب الأفاعي بعد تعاظم قدرات الحرس وقادته اقتصادياً وبات أحدهم يخشى الآخر ويشكك به ويسعى إلى ابتلاعه فريسة سهلة على الغداء قبل أن يُصبح هو فريسة شهية على العشاء.
واليوم بدأ نجمهم في الخسوف والاضمحلال والأفول، وها قد خسفت بهم الانتخابات الأخيرة خسفاً مُهلكاً بعد أن تعاظم جبروته وفاحت روائح جرائمهم وتساقطت أوراقهم داخليا وخارجيا بعد دمار العراق وسوريا واليمن ولبنان وغزة.. هذا وللحديث بقية.. وإلى عالم أفضل.