أقلام حرة

د. محمد الموسوي يكتب: العبودية وتبعاتها في بلد العلم والعلماء

بعدما أسدل العالم الستار على حقبة العبودية البغيضة لا زالت موريتانيا الشامخة بلد العلم والعلماء ضحية أسيرة لنهج العبودية وميراثها وتبعاتها.

أكتب هذه السطور وأنا أشعر بالخجل من استخدام مفردات كـ(العبيد – الإماء – السادة – الأحرار) إذ يُولد الإنسان بالفطرة حُراً ثم يستعبده إنسان لضعفه ورقة حاله، وبعد حقبة من العبودية الباطلة تنشأ ظاهرة أبناء العبيد تلقائياً جيلا بعد جيل ويمتلكونهم أسيادهم كما يمتلكون ممتلكات أخرى ويبقى نهج استعبادهم كما تم استعباد أهلهم من قبل يستحلون جهدهم وكرامتهم وينكلون بشرفهم غير معترفين بـ آدميتهم.

إنه لمن المؤسف والمحزن جداً أن يكون هذا هو حال موريتانيا بلد المليون حافظ للقرآن ومليون شاعر وبلد العلم والعلماء دون أن يحرك النخبة ساكنا، أيُعقل أن هناك عبيدا وإماء أو تبعات وامتدادات للعبودية وعلى شكل مجتمعات في بلد مسلم كموريتانيا بعد أن نهى الإسلام عن العبودية وقضى عليها، أيُعقل أن يسكت نُخب ومثقفوا وعلماء وأحرار موريتانيا في عصرنا الحالي على تبعات وآثار العبودية والاستغلال وسطوة الإقطاع في عصر حقوق الإنسان والحقوق المدنية التي جاء الإسلام بما هو أرقى وأرفع منها.. إن هذا السكوت وعدم الاكتراث يضع موريتانيا الأبية في مهب العاصفة.

تقول القيادية الموريتانية الناشطة ليلى أحمد خليفة أن موريتانيا لا تنقصها القوانين بل ينقصها تطبيق القوانين وهذا تصريح ينم عن انتماء وطني وعن وعي ورشد سياسيين؛ ويعني هذا أن السلطات التنفيذية تنتهج نهجاً غير دستوري وهو ما يكرث لاستمرار تبعات حقبة العبودية المشينة وآثارها المدمرة للمجتمع وهذا يعني عدم اعتراف الإنسان بأخيه الإنسان الآخر شريكه في الوطن، وكان قمع متظاهرين سلميين من الأمثلة الحية على عدم جدية السلطات التنفيذية في موريتانيا في تنفيذ النصوص الدستورية والقانونية بالبلاد التي ألغت العبودية ونصت على مكافحتها وتبعاتها وتضمن في الوقت ذاته حقوق الحقوق الجميع كمواطنين حيث نظمت مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية ايرا يوم الأربعاء الـ27 من سبتمبر 2023 اعتصاماً سلمياً عند الساعة 11 صباحاً أمام وزارة العدل وذلك بعد إبلاغ الجهات الإدارية بهذا التجمع الذي نُظِم احتجاجا علي اعتقال الناشط الحقوقي المناهض للعبودية يوبا سيبي المعروف بـ (يوبا الغوث) الذي سلمته السلطات السنغالية لنظيرتها الموريتانية وأيضاً تنديدا برفع الحصانة البرلمانية وسجن النائب محمد بوي بسبب إبداء رأيه خلال جلسة داخل قبة البرلمان.

إن نهج القمع والاضطهاد هذا لا يمكن أن يكون في دولة معاصرة ذات سلطة حرة إذ تُكبل هذه السلطات نفسها بأغلال العبودية من خلال هذا النهج القمعي وغير الحضاري، وماذا إذا أبدى نائباً رأيه إن أصاب يتم قبول رأيه وإن أخطأ يُرد عليه بالرفض ووسائل أُخرى بدلاً من السجن أما رفع الحصانة فلا داعي له ذلك لأن تلك الحصانة شكلية ولا اعتبار لها وغير موجودة وعلى هذا الحال والنهج الساري يبدو أنها أي الحصانة النيابية سارية النفاذ لفئات بعينها أما الفئات الأخرى فلا حق لها ومجرد القبول بها تحت القبة كافياً.

المثير للعجب هنا أن مؤسسات الأمم المتحدة باتت تعمل على المكشوف في التستر على حقوق الإنسان إذ ترفض مقابلة وفد (ايرا) المكون من شخصيات مرموقة ولم يتم اللقاء بهم إلا بضغوط أوروبية، والأدهى من ذلك أن يجري اللقاء كمجرد إسقاط فرض مع الوفد الزائر، وقد التقى الوفد بخبراء للأمم المتحدة مساء السبت الموافق 30-9- 2023 في مبنى المفوضية السامية لحقوق الإنسان بموريتانيا وكان وفد حركة (ايرا) بقيادة مسئول حقوق الإنسان لدى الحركة عبد الله أبو جوب وبعض من نواب البرلمانيين منهم النائبة مريم الشيخ، والنائب قامو عاشور والنائبة آمنتا جا.

يقول عبدالله آبو جوب مسئول حقوق الإنسان بحركة (ايرا) المناهضة للعبودية متحدثا عن واقع التميز والعبودية والاغتصاب ضد المرأة والفتيات مؤكدا أن نسبة 20% من الشعب الموريتاني مازالت تحت نير العبودية وأن 19% من الضحايا هن من النساء والفتيات اللائي حُرِمن من أبسط حقوقهن، أما النائبات البرلمانيات فقد تطرقن الى الحالة المزرية لواقع حقوق الإنسان متحدثات عن أمثلة حية تٌمارس ضد النساء والفتيات، كما أكدن التميز يُمارس بصفة بشعة ضد النساء «الحرطانيات» (العبيد والعبيد السابقين) وهن الحلقة الأضعف في المجتمع.

وكذلك عبر بعض الضحايا عن حالهن والظلم الذي لا زال يمارس عليهن بشتى أنواعه كـ الاغتصاب والتشغيل (الاستغلال بالسخرة) والحرمان من حقوقهن المدنية.

تقول القيادية ليلى أحمد خليفة أن السلطات لا تملك إرادة حقيقية في تحسين واقع حقوق الإنسان في البلد وذلك بسبب وجود هيئات حكومية مسئولة همها الوحيد هو المغالطات وللأسف يشاركها ممثل المفوضية السامي لحقوق الإنسان بموريتانيا والدليل على ذاك تغيب أكبر منظمة حقوقية في البلد عن الأحداث التي تعني حقوق الإنسان كما سعوا جاهدين إلى عدم حصول هكذا لقاء.

هذا وقد تعرض المحتجون السلميون إلى قمع شديد في اعتصام يوم الأربعاء الموافق لـ 27 سبتمبر 2023 الذي تم بعلم السلطات، ونجم هذا القمع التي استخدام الهراوات والصواعق الكهربائية فيه العديد من الإصابات والانتهاكات المتعمدة إذ تم التعرض لامرأة حامل بالضرب على البطن، وقيل أن بعض ضحايا هذا القمع أصيبوا بإصابات خطيرة ونُقِلوا إلى المستشفيات:

طوارئ المستشفى الوطني:

1- محمد صمبا (كدمات في الجسم بسبب الضرب بالهراوات)

2- أماشي منت إبراهيم

3- الحاج العيد (كدمات في الجسم إثر ضربات بالهراوات)

4- الحسن دجالو (كدمات في الجسم بسبب الضرب بالهراوات)

مستشفى الصدمات:

5- إبراهيما سي (كسر في الساق اليسرى)

6- محمد الأمين عمار صالح (يعاني من صدمة في الرقبة)

7-عبدالله حمودي (كسر في الذراع اليسرى)

8- بوناس حميدة (كسر في الذراع اليمنى)

9- فاتميتو باها (صدمة بالرأس)

10- محمد لمين حسان (كسر في الساق اليمنى)

مستشفى «الأمومة والطفولة».

11- تاربا منت موسى (سيدة حامل تلقت عدة ضربات على البطن)

عبودية وآثار عبودية، ولمن ينفي وجود العبودية في موريتانيا وغيرها عليه أن يعلم بأن استغلال بعض السياسيين والإقطاع أو أي طرف آخر للفئات الضعيفة الفقيرة رقيقة الحال هو أيضاً استعبادٌ ممتد للعبودية وبالتالي فهو عبودية يرفضها الإسلام لمن كان منتمياً صادقاً لدينه، وترفضها القوانين والقيم والأعراف الدولية لمن كان ذو رح حرة أبية متحضرة تؤمن بالآخر بغض النظر عن جنسه ولونه وبيئته وانتماءاته الأخرى.

لموريتانيا وشعبها المجد والشموخ بعيداً عن نهج من يريدون تكبيلها بأغلال العبودية والاستغلال والاضطهاد.

د. محمد الموسوي / كاتب عراقي

د. محمد الموسوي

كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى