د. محمد جلال القصاص يكتب: خرجت الأمة من قيادة البشرية بأربعة
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وحين تدقق النظر في حال الغرب (أوروبا، ثم الولايات المتحدة تحديدًا) تجد أنهم نهضوا بأربعةٍ لا بواحدةٍ:
أولها: وجود رؤية خاصة بهم. تأسست على العداء للدين. ربما لأنهم واجهوا غزاة (العثمانيين) ولم يواجهوا فاتحين كما حدث في العراق والشام وشمال أفريقيا والأندلس (مَن واجهوا الصحابة والتابعين).
وثانيها: حصولهم على أسباب مادية من: غزو دول أمريكا الجنوبية والحصول على الذهب والفضة، والتجارة مع الهند وغيرها من دول المشرق (العصر الميركانتي)، ثم احتلال العالم الإسلامي والسيطرة على موارده وأسواقه، وهذه التي يعنيها الدكتور المسيري، وهي فقرة تابعة وجزء من منظومة صعودهم وتمكنهم، وليست وحدها، ولا تصلح لتقدمنا فنحن أمة رحمة، نقدم للناس أخلاقًا، والقتال عندنا لا يصحبه نهب بل ننزع الحقوق من المستبدين ونعطيها لأهل الأرض.. يوزع المال في أهل المكان.. يمكن الإنسان مما قدره الله في الأرض من بركات دون نظر للونه أو جنسه، ولا يربط الإسلام بين الإنسان والأرض التي يسكن عليها كما تفعل الدولة القومية فالإنسان حر الحركة يستوطن ما يشاء من أرض الله ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ (الملك:15).
وثالثها: انهيار منظومة القيم الإسلامية، ثم تبدلها. وهذا من أهم العوامل في تخلفنا واستمرار تفوقهم، وقد كان بدء الانحدار من فقدان الإنفاق على العلم وأهله بعد تحول طريق التجارة. جاءوا إلينا ونحن معدومين ماديًا وفكريًا، ثم عمدوا إلى إحداث تحولات جذرية في منظومتنا الفكرية حتى صارت تبعًا لهم، ولذا تجد بين المنتسبين للفكر الإسلامي من يطالب بنهوض كنهوض الغرب، بل تجد من المنتسبين للصحوة الإسلامية من ينتصر للمناهج الغربية ويرى أن الديمقراطية هي نهاية التاريخ.. يرى أن البشرية تتطور منذ خلقها الله في خط مستقيم صاعد، وأن ما عليه الغرب الآن هو الرشد!!
وكأن الله لم يقم السماوات والأرض على الإيمان والكفر، وكأن الله لم يهلك السابقين بكفرهم بالله، وكأن الذين سادوا اليوم أشد قوة من الذين كانوا من قبلهم، وكأنهم سبقوا. والله يقول:
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾
(مريم: 74)،
﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾
(فاطر:44).
﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا﴾
(التوبة: 69).
ورابعها: القتال الداخلي بين المسلمين، وذلك منذ ظهور الصفويين في إيران، والمماليك في مصر، والعثمانيون في أسيا الوسطى، حيث تعددت القوى الإسلامية وقاتلت بعضها، بل واستعان بعضها بالآخر على بعضها، وقد أدى ذلك إلى استنزاف طاقة المسلمين من ناحية وإلى التوقف عن الفتوحات من ناحية أخرى.
وحتى يتضح لك أكثر أن النهوض الذي يتحدث عنه النخبة المثقفة هو التحديث على قواعد غربية، حتى يتضح لك هذا الأمر جليًا اطرح معي هذا السؤال: هل نسير في اتجاه استعادة نموذجنا الحضاري أم ننافسهم على ما في أيديهم؟!!
وفتش عن إجابة من الأفعال لا من الأقوال. وسترى بوضوح أن النخبة الفكرية (المثقفة) تنافس الغرب على ما في يديه. والنتيجة أنها تسير في ركابه.. تسير إلى حيث يريد هو، وإن كانت تعارضه بلسانها!!