مقالات

د. محمد جلال القصاص يكتب: في علاقة القوة بالإيمان

مما أشيع أن التمكين إنما يكون بتحقيق الإيمان أولًا، ثم إعداد القوة، وكأن القوة شيء منفصل عن الإيمان، ولذا ينصرفون للبحث عن السلطة السياسية القائمة (استنصارها، أو السيطرة عليها، أو المشاركة فيها)

وثمة ملاحظة شديدة الأهمية وهي أن القوة منتج وليست تابع، بمعنى أن كثيرًا من أشكال القوة تُبنى بناية خاصة من خلال النسق العقدي (كليات العقيدة). أو إن كل عقيدة لها أشكال من القوة خاصة بها.

فمثلًا أنتج الإيمان بالله وما أرسل به محمدًا، صلى الله عليه وسلم، عددًا من القوى، مثل: الرعب الذي يلقى في قلوب الأعداء: «نصرت بالرعب» (متفق عليه)، والإحسان للناس وتمكينهم من الخيرات التي قدرها الله في الأرض وفوق الأرض (مفصل شرح هذا في أطروحة الدكتور جميل أكبر)، ومنظومة التشريع التي سوّت بين الناس وجعلت التفاضل بالتقوى.

وإذا قلنا إن تعريف «القوة الناعمة» هي جاذبية النموذج حسب من نحت هذا المصطلح (جوزيف ناي Joseph Nye)، فإن الإيمان بالله وما أرسل به محمدًا، صلى الله عليه وسلم، أوجد نموذجًا خضعت له الشعوب وإن لم يؤمنوا، وكان هذا النموذج هو الفاعل الأكبر في الفتوحات، فلم تخضع الشعوب للإسلام بقوة السيف وإنما خضعت للنموذج الإسلامي في الحياة.

اقتصر أثر السيف (القوة الصلدة) على إزاحة الملأ الذين يرفضون عرض النموذج الإسلامي كما هو على الناس. هذه القوى «الناعمة» جعلت المرتدين يعودون سريعًا، بل يقاتلون في صفوف المسلمين ضد الفرس، وجعلت المسلمين يحكمون قرونًا وهم قلة بين سكان البلد الأصليين.

وأيضًا لا نستطيع أن ننظر للقوة الصلدة بشكل محايد فنقول: هي (القوة الصلدة) ذات فعل غشيم أيًا كان من يستخدمها. لا. ليس الأمر كذلك.

فكل منظومة تدير القوة الصلدة (السلاح/ العنف) بطريقة خاصة، حسب طبيعة القيم التي تحملها هذه القوى، ومثلًا في الإسلام: «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا فلا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا» (البخاري).

وحروب أوروبا النصرانية (حروب ما قبل نشأة الدولة القومية كحرب المئة عام بين فرنسا وانجلترا)، وأوروبا العلمانية (الحرب الأولى والثانية وقبلها حروب الاحتلال وجلب العبيد إلى الحرب الروسية الأوكرانية) تعطي رسالة شديدة الوضح مفادها، كما أفهم، أن المقصود هو التخريب من أجل إعادة «البناء».

كأنهم لا يستطيعون فرض قيمهم إلا على أنقاض غيرهم. ورسالة ربنا أعادت صياغة الإنسان والأشياء بأقل تكلفة وفي أسرع وقت.

د. محمد جلال القصاص

دكتوراة علوم سياسية كلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى