مقالات

د. محمد زويل يكتب: دلالات استخدام أمريكا لحق الفيتو حول الدولة الفلسطينية؟

كشف تصويت أمريكا على إقامة دولة فلسطينية في مجلس الأمن واستخدامها لحق النقض (الفيتو) ضد الاعتراف بالعضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة والتي استخدمته منذ أولى جلسات مجلس الأمن وحتى فبراير 2024، لصالح إسرائيل 45 مرة. وجاء التصويت لصالح الطلب بأغلبية 12 صوتا مقابل صوت واحد ورفض الولايات المتحدة وامتناع عضوين عن التصويت. مع أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قال الجمعة، إن واشنطن ملتزمة تحقيق دولة فلسطينية عبر الوسائل الدبلوماسية مع الضمانات اللازمة لأمن إسرائيل. تأتي تصريحات بلينكن عقب استخدام الولايات المتحدة سلطة النقض “فيتو”، مساء الخميس، ضد مشروع قرار عربي يطالب بمنح فلسطين العضوية الكاملة بالأمم المتحدة. ولذلك من الدلالات ما ينبغي التوقف امامه لفهم حقيقة الدور وكيف يمكن التعامل معه.

الدلالة الأولي:

 إن الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط لا تكترث، ولا تعطي أهمية لاحتياجات دول المنطقة، ولا تهتم بشعوبها وقضاياهم واحتياجاتهم، أو حتى النخب الحاكمة، التي تتعامل معها تكتيكيا وفقا لمتطلبات كل مرحلة وظرف سياسي أو تاريخي، وطبقا لما يحمي مصالح واشنطن وإسرائيل فقط، وبذلك فإن السياسة الأميركية متغيرة ومتلونة مع كل الدول، فيما تظل ثابتة تجاه ما يحقق مصالح واشنطن وتل أبيب.

الدلالة الثانية:

انه على مدار العقود الماضية كانت الولايات المتحدة الأمريكية تردد التصريحات حول حل الدولتين كانت كذبا وأوهاما يتم ترويجها للحفاظ على صورتها الخادعة التي ما فتأت تروجها للعالم لتخدير الفلسطينيين والعرب والعالم. ونتانياهو هو من أشد المعارضين لفكرة قيام دولة فلسطينية وهو يترأس حكومة تعتبر الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل. وقد صوت الكنيست الاسرائيل مؤخرا على رفض هل الدولتين.

الدلالة الثالثة:

ان ما سمي “مسار أوسلو” للسلام الذي بدأ قبل ثلاثين عاما كان هدفه الحقيقي هو شراء الوقت لصالح تمكين إسرائيل من إتمام مشروعها الاستيطاني التوسعي وجلب اليهود من انحاء متفرقة من العالم لتحقيق السيطرة على كل فلسطين للوصول بالتدريج للحلم المزعوم «إسرائيل الكبرى» من النيل الي الفرات وذلك تحت ادعاء انه قد يفضي لإقامة دولة فلسطينية.

الدلالة الرابعة:

– ان الحقيقة ان حق النقض (الفيتو) في مجلس الامن تمتلكه فعليا إسرائيل وان الولايات المتحدة الامريكية هي مجرد أداة لتنفيذ رغبات إسرائيل ولعله من اللافت للنظر فيما بدي من التوافق الزمني بين رفض اميركا واستخدامها للفيتو مع تصويت الكنيست الإسرائيلي بالأغلبية في فبراير الماضي برفض الاعتراف بقيام دولة فلسطينية. وإلا كيف يمكن تفسير التصريحات الامريكية المتكررة عن حل الدولتين في ظل رفض الكنيست والنتن ياهو لحل الدولتين؟

الدلالة الخامسة:

أن عملية طوفان الأقصى اوقفت وعطلت كل محاولات التطبيع التي تجري علي قدم وساق وأوقفت الزحف التطبيعي ولو مؤقتا وهرولة اكبر الدول العربية نحو التطبيع المزعوم طمعا في حماية أنظمتهم وعروشهم والذي كان تحت مبرر انه سوف يمنحهم الأمان من المشروع الشيعي الفارسي وقد كُشف ورُفع عنه الغطاء حيث لا توجد علاقة بين الامرين ولا عزاء للمطبعين العرب.

الدلالة السادسة:

انهيار منظومة القانون الدولي وتهاوي تأثير المنظمات الدولية وتراجع دورها في إدارة العلاقات الدولية بين الدول وظهر جليا ضرورة مراجعة النظام الذي يحكم العالم فليس من العدل ولا العقل ان خمس دول فقط تحتكر حق النقض ” الفيتو” ويشكل استخدام هذا الحقّ (الفيتو) داخل المجلس تجسيدا عمليا لمنطق قانون القوة، الذي يتيح للقوى الدولية الكبرى حماية مصالحها، والتحكم في توجهات الهيئة الأممية، ومصادرة مهامها المتصلة بتطبيق قواعد القانون الدولي. فيما أضحى الحق في الدفاع الشرعي الذي تكفله المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ذريعة للاعتداء على الشعوب، ولارتكاب الجرائم الدولية الخطيرة، وهو ما تعكسه الممارسات الإسرائيلية المستمرة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتبرز الكثير من الوقائع والمحطات الدولية، أن مبادئ القانون الدولي أصبحت مجرد شعارات، بل حبرا على ورق، بسبب الخروقات التي تتعرض لها من قبل عدد من الدول الكبرى، فباسم حماية حقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطية، قام مجلس الأمن وعدد من الدول بتدخلات زجرية في سيادة دول بعينها؛ ضدا على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وغيرها من الدول أصبحت لا تتورع في استخدام القوة العسكرية ضد دول أخرى بمبررات مختلفة، دون أي رد فعل من قبل مجلس الأمن.

ومن هذا المنطق؛ أصبحت هناك حاجة ماسة إلى ضبط تناقضات هذا القانون الدولي والانحرافات التي تطبع تطبيقاته، من خلال تطوير قواعده تبعا لتطور الواقع الدولي، وكذلك الأمر بالنسبة للآليات المتصلة بتطبيقاته أيضا، مع تجاوز الفراغ والغموض الذي يطبع الكثير من مقتضياته.

د. محمد زويل

استشاري الإدارة الاستراتيجية وباحث في الشئون السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى