د. محمد زويل يكتب: لماذا باعت إيران بشار الأسد؟ (1)
في خلال أسبوع ويزيد قليلا، شهد بشار الأسد سقوط حكمه الوحشي إثر هجومٍ شنّته فصائل المعارضة من الشمال الغربي،
وأعقبه هجومٌ موازٍ من الجبهة الجنوبية. وانهارت مظاهر القوة العسكرية عندما عمَد الجيش السوري،
الذي قصف المدنيين بلا رحمة بالبراميل المتفجّرة واستخدم غاز السارين ضد الأطفال، إلى التخلّي عن مواقعه تاركًا خلفه ترسانة من العتاد، في انسحابٍ فضح الأُسُسَ الجوفاء التي قام عليها النظام.
وبينما تداعت قوات الأسد من حوله، وقف يتفرّج عاجزًا على انسحاب كل من روسيا إلى معقلَيه الساحليَّين، اللاذقية وطرطوس، والقوات الإيرانية شرقًا إلى العراق، بعد أن ساندته طهران وموسكو لفترة طويلة..
هكذا تُرِك طبيب العيون الذي تحوّل إلى طاغية ليتأمّل أنقاض نظامه الاستبدادي الذي بُنيَ على معانةٍ إنسانيةٍ يستحيل استيعابها.
والواقع أن جذور هذه اللحظة تعود إلى العام 2012، حينما التزمت إيران للمرة الأولى بالحفاظ على حكم الأسد.
آنذاك أجرى اللواء قاسم سليماني، القائد الراحل لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، سلسلةً من الزيارات إلى سورية لتقييم مدى استقرار نظام الأسد.
وأفادت التقارير بأن هذه الزيارات أثارت قلقه بشأن قدرة النظام على الصمود في وجه المدّ الثوري وضغط المتمرّدين.
كذلك سافر سليماني إلى لبنان حيث التقى الأمين العام الراحل لحزب الله، حسن نصر الله، لتدعيم دفاعات الأسد.
ضغوط نصر الله وسليماني للتدخل العسكري في سوريا
ساهمت الضغوط التي مارسها نصر الله وسليماني في تشكيل قرار إيران بالتدخّل عسكريًا في سورية،
وخاصةً في إقناع المرشد الأعلى علي خامنئي والمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بالتغلّب على تردّدهما الأوّلي.
وكان خامنئي أعرب عن هواجس كبيرة بشأن الالتزامات المالية والعملياتية الضخمة التي يتطلّبها تنفيذ تدخّل برّي واسع النطاق.
لكن نصر الله وسليماني قدّما مبرّرات أطَّرَت التدخّلَ على أنه ضروري للحفاظ على مستقبل حزب الله ونفوذ إيران الإقليمي الأوسع.
وارتكزت حجّتهما على التهديد الوجودي الذي قد يشكّله سقوط الأسد على مصالحهما الاستراتيجية، وعلى ما يُسَمّى بمحور المقاومة.
انهيار رؤية سليماني ونصر الله الاستراتيجية الكبرى
واليوم، بعد مرور أكثر من عقدٍ من الزمن، ثمّة مفارقة بالغة في النتيجة. فسليماني ونصر الله لم يعيشا ليشهدا انهيار رؤيتهما الاستراتيجية الكبرى،
بل أصبح تدخّلهما، الذي كان يفترَض أن يرسّخ دور محور المقاومة في المنطقة، إيذانًا بتقهقره.
إن الاستراتيجية نفسها التي صُمّمَت لتقسيم سورية والسيطرة عليها سقطت تحت وطأة ثقلها،
مؤشّرةً لا إلى نهاية حكم الأسد فحسب، بل أيضًا إلى انحسارٍ محتملٍ للمحور لا يمكن تداركه.
لقد استثمرت إيران على مدى الأعوام الثلاث عشرة الماضية نحو 30 إلى 50 مليار دولار في سورية، ما عبّر عن التزامها الراسخ بضمان بقاء نظام بشار الأسد.
حماية حكومة الأسد
واضطلع المستشارون الإيرانيون، ولا سيما أولئك التابعون لفيلق القدس، بدورٍ حاسمٍ في حماية حكومة الأسد خلال الحرب الأهلية.
وتشير التقارير الرسمية إلى مقتل ما يزيد عن 2000 عنصر من “المدافعين عن الحرم”، وهو مصطلح ملطّف تستخدمه إيران للدلالة إلى قواتها في سورية.
يُعتقَد أن معظم هؤلاء الضحايا مواطنون أفغان جُنّدوا ضمن لواء فاطميون، مع أن إيران خسرت أيضًا أعدادًا كبيرةً من عناصر الحرس الثوري، خصوصًا خلال معركة خان طومان في العام 2016.
فضلًا عن ذلك، تغلغلت إيران في هياكل عسكرية وشبه عسكرية أساسية في سورية، منها على سبيل المثال قوات الدفاع الوطني،
وهي شبكة ميليشيات موالية للنظام ساعدت إيران في تنظيمها وتسليحها وتدريبها.
شُكّلَت هذه القوات في العام 2013 تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني،
وأصبحت قوةً مساعِدةً أساسيةً تدمج المقاتلين المحليين في استراتيجية الأسد العسكرية، وتكمّل الجيش السوري المنهك.
كذلك نسجت إيران علاقات وثيقة ببعض أقسام الجيش السوري، ولا سيما الفرقة الرابعة المدرّعة والحرس الجمهوري.
فقد حظيت الفرقة الرابعة، بقيادة ماهر الأسد، شقيق بشار، بالتدريب والأسلحة والمساعدات المالية من إيران بسبب موثوقيتها وفعاليتها في الهجمات الكبرى.
وعلى نحو مماثل، استفاد الحرس الجمهوري، المُكلَّف بحماية الدائرة الداخلية للنظام وبنيته التحتية الأساسية، من الدعم اللوجستي والعملياتي الإيراني، ما ضمن استمرار ولائه للأسد.