مقالات

د. محمد زويل يكتب: لماذا باعت إيران بشار الأسد؟ (3)

حين بدأ نظام الأسد بالانهيار، اتّخذت طهران قرارًا مفاجئًا بالتخلّي عن هذه المنطقة الحيوية لصالح قوات سورية الديمقراطية.

ربما عكس هذا الانسحاب استراتيجيةً أكثر مكرًا على المدى الطويل، تستند إلى رهان إيران على أن تولّد التوتّرات المستمرة بين القوات الكردية والسكان المحليين العرب وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا،

فرصًا جديدةً تتيح عودة النفوذ الإيراني إلى هذه المنطقة في نهاية المطاف.

لكن انسحاب إيران من سورية كان أكبر بكثير من مجرّد التخلّي عن دير الزور، إذ شكّل انعطافه كاملة لانخراطها العسكري في البلاد.

وفي الليلة التي سبقت هروب الأسد من دمشق، كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن إيران بدأت بإجلاء قادتها العسكريين وموظفيها من سورية.

أما الحقيقة الصارخة الكامنة وراء انسحاب إيران فجاءت على لسان محلّل مقرّب من النظام الإيراني،

قال للصحيفة إن “إيران بدأت بإجلاء قوّاتها وعناصرها العسكريين لأننا لا نستطيع القتال كقوّة استشارية داعمة إذا كان الجيش السوري نفسه لا يريد القتال…

خلاصة الأمر أن إيران أدركت أنها لا تستطيع إدارة الوضع في سورية في الوقت الراهن بالعمليات العسكرية، وبالتالي لم يعد هذا الخيار مطروحًا”.

واقع الحال أن انهيار نظام الأسد قوّض الاستثمارات التي قامت بها إيران في سورية على مدى أكثر من عقدٍ من الزمن،

وفكّك شبكة النفوذ المعقّدة التي حاكها قاسم سليماني.

فقد بلور، بصفته قائد فيلق القدس، استراتيجيةً لزعزعة الاستقرار الإقليمي، ألحقت أضرارًا جسيمةً بالشعوب والدول في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

اعتمد مقاربةً منهجيةً شملت الخطوات التالية:

1-تحديد الدول الهشّة، واستغلال مكامن ضعفها.

2-ملء الفراغ القائم في السلطة بميليشيات مدعومة إيرانيًا باتت تُعرف بوحشيّتها واستغلالها للسكان المحليين.

كان المنطق الكامن وراء هذا النهج ينبع من اعتقاد سليماني بأن ضعف الحكومات هو أرضٌ خصبة لتجذّر النفوذ الإيراني وازدهاره.

بلغت هذه الاستراتيجية ذروتها في سورية، حيث ساعد سليماني على تحويل انتفاضةٍ شعبيةٍ إلى حربٍ أهليةٍ كارثية. “وهذا أخطر ما فعلته إيران في سوريا “.

مما بدأ كتدخّلٍ في سورية لإنقاذ محور المقاومة، أضحى بدلًا من ذلك إيذانًا بانحداره.

كان من المفترض أن تشكّل هذه الشبكة من الوكلاء والأنظمة الحليفة، الممتدّة من طهران إلى بيروت وصنعاء، حلًّا لعزلة إيران الإقليمية والضغوط الغربية التي تواجهها.

وانهار النموذج الذي بدا فعّالًا للغاية في لبنان مؤخرًا بعد أن أنهكت إسرائيل حزب الله خلال حرب استنزاف بلغت ذروتها بحملة قصف مدّمرة وغزو برّي لجنوب لبنان،

بدأ في 1 أكتوبر. في نهاية المطاف، اتّضح أن هذا النموذج غير مستدامٍ في سورية.

الغموض يكتنف القرارات الإيرانية

لا يزال الكثير من الغموض يكتنف القرارات الإيرانية التي اتُّخذت في الأيام الأخيرة من حكم الأسد.

صحيحٌ أن طهران لا يمكنها أن تأمل واقعيًا في استعادة مستوى النفوذ الذي كانت تتمتّع به خلال عهد الأسد، إلّا أن حساباتها تتجاوز على الأرجح الأزمة الراهنة.

ونظرًا إلى أن إيران أثبتت مرارًا وتكرارًا مهارتها في استغلال الفوضى الإقليمية لصالحها، قد تكون تراهن على أن العملية الانتقالية في سورية ما بعد الأسد ستتيح لها فرصًا جديدة لبسط نفوذها، ولا سيما في ظلّ تنافس مختلف الفصائل على السلطة والموارد.

على سبيل المثال، يمكن أن تشكّل معاداة الأكراد السوريين للنفوذ التركي في سورية فرصةً مماثلة.

كذلك، قد تؤدّي قدرة إيران على العمل مع المجموعات السنّية إلى تشكيل تحالفات براغماتية مُعارِضة لإسرائيل،

ولا سيما بعد احتلالها المنطقة العازلة المنزوعة السلاح التي أُنشئت في العام 1974 بموجب اتفاقية فضّ الاشتباك في جنوب سورية.

يندرج كلّ ما سبق إلى حدٍّ كبير في إطار التكهّنات.

لكن الأكيد أن سقوط الأسد المُهين كشف حجم الأضرار الجسيمة التي لحقت بسورية من جرّاء حكمه والقوى الخارجية التي ساندته.

سوف تكشف لنا الأشهر المقبلة ما إذا ستنجح إيران في التكيّف مع الواقع السوري الجديد، أم أن سقوط الأسد سيضع بالفعل حدًّا لطموحاتها في سورية.

موضوعات ذات صلة:

د. محمد زويل يكتب: لماذا باعت إيران بشار الأسد؟ (1)

د. محمد زويل يكتب: لماذا باعت إيران بشار الأسد؟ (2)

د. محمد زويل

استشاري الإدارة الاستراتيجية.. وباحث في الشئون السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى