مقالات

د. محمد عياش الكبيسي يكتب: آية الإسراء.. وآية العرش

«درس في علم العقيدة»

في آية الإسراء يقول القرآن: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)

وفي آية عرش ملكة سبأ يقول القرآن: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)

ربما تحت وطأة التشكيك الإلحادي المادي صار البعض يميل إلى تأويل آية الإسراء بأنها كانت بالروح فقط أو أنها كانت مجرد رؤيا منامية!

لكن الآية الثانية تقف أمامهم لأن نقل عرش (بلقيس) لا يمكن أن يكون بالروح، ولأنه قصة انبنت عليها أحداث تاريخية كبيرة حيث أسلمت بلقيس وقومها فلا يمكن عد ذلك كله مجرد رؤيا.

مع ملاحظة الفوارق الآتية:

١- أن الزمن المنصوص عليه في الإسراء (ليلا) بينما في العرش (قبل أن يرتد إليك طرفك) يعني بلا زمن.

٢- أن مسافة الإسراء من مكة إلى القدس هي تقريبا نصف مسافة نقل العرش من سبأ إلى القدس. (والكلام هنا عن الإسراء وليس المعراج)

٣- أن نقل الكائن الحي (شخص الرسول عليه الصلاة والسلام) أيسر من نقل الجماد (عرش بلقيس).

٤- أن الذي قام بالفعل في آية الإسراء هو الله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده) بينما الذي قام بالفعل في قصة العرش مخلوق (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به).

إن مشكلة (التفسير المادي للغيب) تواجهنا في صور كثيرة، وتوقعنا في إشكالات كثيرة، فإرادة الله المطلقة وقدرته المطلقة لا يمكن إخضاعهما لمقاييسنا الأرضية، ولذلك كان أساس الدين إنما هو الإيمان بالغيب، ولكن هذا الإيمان ينبغي أن يكون وفق قواعد راسخة لكي لا يختلط معنى الإيمان ب (الغيب) ب (الخرافة)، ولا يختلط منهجنا في التعامل مع (عالم الغيب) الذي لا ندركه إلا من خلال الوحي بمنهجنا في التعامل مع (عالم الشهادة) الذي ندركه بحواسنا وتجربتنا وقياساتنا وخبراتنا.

وبين المنهجين زلّت أقدام كثيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

بقيت هنا نقطة أنقلها عن شيخي العالم المحقق الدكتور محمد رمضان عبد الله -رحمه الله- فمع ترجيحه أن الإسراء وكذا المعراج كان بالروح والجسد، بمعنى أنه (خارقة) إلا أن هذه الخارقة لا يرى صحة تسميتها ب (المعجزة) بل الصحيح أنها خبر غيبي جاء به الوحي فيجب الإيمان به كما نؤمن بالوحي نفسه والملائكة والجنة والنار، لأن المعجزة من شرطها أن تكون ظاهرة وقاهرة بحيث يراها الناس ويعجزون عن مجاراتها، وهذا التفريق ينفعنا في طريقة الاستدلال عليها ومناقشة المنكرين لها.

والله أعلم

د. محمد عياش الكبيسي

مفكر وداعية إسلامي، دكتوراه في الفقه الإسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights