إن بحث مآلات الحرب على منطقتنا بأبعادها المختلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في غاية الأهمية، باعتبار أن القوتين تشكلان خطرا وجوديا علينا، فهما مشروعان توسعيان يتمددان في فراغنا ويتنافسان على ابتلاع كعكتنا.
سأناقش هنا الخطر الذي يشكله الطرفان على الإسلام نفسه، بلغة علمية موضوعية، وربما تكون لنا تتمات مع الأبعاد الأخرى
1- الجدل الذي يدور حول ترجيح عقيدة الطرفين وأيهما أقرب أو أبعد عن الإسلام جدل عقيم لا يخرج بنتيجة عملية، بين من يقول: (أهل الكتاب أقرب إلينا من المشركين) إشارة إلى العقائد الشركية والكفرية مثل تأليه الأئمة والقول بتحريف القرآن وإنكار السنّة وما هو معلوم من الدين بالضرورة، وبين من يقول: (المبتدعة أقرب إلينا من اليه-ود) ويستشهد بمقولات وفتاوى قديمة كانت في زمن التقية حيث لم يكن لهؤلاء سلطان ولا شوكة تسمح لهم بإظهار كل عقائدهم وكل عداواتهم وأحقادهم إلا ما جرى في ظروف استثنائية مثل استباحتهم للكعبة وذبحهم للحجيج ومساندتهم لهولاكو على احتلال بغداد وتدميرها.
2- إن السؤال الأهم هنا هو؛ أيهما يشكل خطورة أكبر على الإسلام نفسه وبطريقة مباشرة؟
إن الجواب عن هذا السؤال هو بيت القصيد في (فقه الميزان) على حد تعبير الشيخ القره داغي والذي أصدر فتوى لنا عليها ملاحظات شديدة لأن الميزان الذي اعتمده الشيخ لم يتطرق إلى هذا السؤال أصلا وحتى بالنسبة للمعايير الأخرى كان ينظر إلى الخطر من زاوية واحدة.
3- لا يخفي اليه-ود عداوتهم للإسلام منذ زمن البعثة إلى اليوم، ومحاولتهم قتل النبي صلى الله عليه وسلم، لكن قوتهم تلاشت بعد فتح خيبر، ولم يعودوا يشكلون خطرا على الإسلام والمسلمين إلى أن ظهر قرنهم مؤخرا بعد وعد بلفور، وفي ذلك التاريخ الطويل ظهر أعداء أشد قوة وأكثر عددا وعدة خاصة؛ الصليبيين، ثم المغول.
بالنسبة للطرف المقابل هو لا يظهر عداوته للإسلام كاسم وعنوان، وإن كان لا يتورع عن الطعن في مصادر الإسلام ومحاربة حملته (الصحابة الكرام) بل ويحتفلون إلى اليوم بقاتل فاروق الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا زال قبر أبي لؤلؤة مزارا شامخا عندهم! إضافة إلى الطعن الوقح في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4- من الناحية العملية نرى أن اليه-ود رغم شدة عداوتهم للإسلام إلا أن طبيعتهم الدينية طبيعة منكمشة على ذاتها، فهي لا تسعى أبدا لتحويل المسلمين إلى يه-ود، وهذه نقطة في غاية الأهمية، وواقع الفلسطينيين داخل سلطة الاحتلال خير شاهد.
بينما نرى الطرف المقابل همه الأول والأخير (تصدير الثورة) ونشر (الإسلام البديل) وفق المواصفات الباطنية والكهنوتية المعروفة، وقد جرّب السوريون ذلك حيث تحولت المدن السورية إبان سيطرة هؤلاء إلى احتفالات للطم والشتم وبث كل أنواع الخرافة والاستفزاز العقدي المباشر، أما في العراق فلك أن تتصور أن البصرة التي بناها الخلفاء الراشدون صارت اليوم مركزا لسبهم وشتمهم وإعلان البراءة منهم.
بهذه المقارنة الواضحة والبسيطة يتضح من الذي يهدد عقيدة أجيالنا أكثر وبطريقة سريعة ومباشرة، بحيث كما قال الشيخ الرفاعي مفتي سورية الحالي؛ إن هؤلاء أقدر على تحويل أبنائنا إلى أعداء عقائديين لنا ولديننا ولتاريخنا.
5- في جانب المقدسات، هنالك خطر حقيقي على المسجد الأقصى في حال تمكن اليه-ود -لا قدر الله- وهذه قضية في غاية الخطورة، وعلى المسلمين في العالم أن يضعوا خطة عملية لحماية الأقصى.
وفي المقابل هناك مشروع الطرف الآخر وهو مشروع معلن وجاد أيضا في السيطرة المباشرة على مكة والمدينة وتحويل البقيع إلى مزارات شبيهة بمزارات كربلاء، إضافة إلى نبش قبري الشيخين؛ أبي بكر وعمر، وإنه والله لمن المؤلم والمحزن أن تجد كثيرا من علماء الإسلام ودعاته يغضون الطرف تماما عن هذه المخاطر.
والحقيقة الأكثر خطرا أن سعي إيران للسيطرة على الحرمين الشريفين تبغي منه السيطرة على مركز التوجيه الديني للمسلمين وإكمال مشروعها في مسخ الإسلام الذي أنزله الله بإسلام مشوّه لا يمت إلى الإسلام الحقيقي بصلة.
.
إني أنبّه إلى هذه المعطيات الواقعية والتي يعرفها كل من جرب هذه المشاريع المتصارعة والمتنافسة على أرضنا، وأضع هذا أمانة في عنق علمائنا ودعاتنا، ثم في عنق أصحاب القرار في بلادنا العربية والإسلامية، لعلي أبرئ ذمتي أمام الله تعالى. والله وحده المستعان وعليه وحده التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
.
وللحديث صلة إن شاء الله تتعالى تتعلق بأي المشروعين أقدر على تحقيق أهدافه المتعلقة بنا وبإسلامنا ومقدساتنا.