سأبدأ بسؤال كمقدمة للموضوع؛ كم احتاجت إيران لكي تهيمن على اليمن؟ وكم ستحتاج إسراييل لو فكرت بذلك؟ وقد اخترت اليمن لبعدها الجغرافي عن القوتين التوسعيتين.
هذا لا يعني التهوين من قدرة إسرائيل، لكننا نحتاج أن ندرس بدقة نقاط القوة ونقاط الضعف في الفريقين، والتي ألخصها في الآتي:
١- التوسّع والهيمنة المباشرة يحتاج إلى قدرات بشرية، وهذه النقطة تتفوق فيها إيران على إسرائيل بمئات المرات، ليس من حيث عدد السكان فقط، وإنما من حيث وجود شرائح واسعة في شعوبنا العربية والإسلامية موالية ولاء عقديا للمشروع الإيراني، وإيران قادرة على تحريك هذه الشرائح متى شاءت، ومثال ذلك العراق وسوريا ولبنان وحتى البحرين وتركيا إلى المغرب العربي ونيجيريا، فهناك خلايا نائمة قابلة للتحرك بمستويات متفاوتة، ولأهداف مختلفة. وأذكر هنا بهذا الصدد أحد قادة المليشيات العراقية يسأله المذيع: لو حصلت حرب بين العراق وإيران؟ قال: سأقف مع إيران. وقبله حسن نصر الله في خطاب له مسجل يقول فيه: نحن لا نسعى لقيام دولة إسلامية مستقلة في لبنان، بل نسعى لكي تكون لبنان جزءا من دولة الإمام.
هذا كله إضافة لضعف المناعة حتى عند المختلفين مع إيران عقديا، وذلك لضبابية الرؤية واختلاف الأولويات وضعف الوعي بخطورة المشروع الإيراني.
أما إسرائيل فهي منبوذة في مجتمعاتنا، وليس عندها أي قاعدة شعبية يمكن أن تنطلق منها، ولذلك فهي تحاول تعويض ذلك بالضغط على الأنظمة للقبول بالتطبيع كأمر واقع، إضافة إلى قدرتها على تجنيد الجواسيس في أي بلد تشاء ولمهام محددة طبعا، وقد اتضح هذا من خلال ما فعلته بحزب الله، وما تفعله اليوم بالقيادات الإيرانية. وحتى في غز ة وجدت بعض الثغرات لكن بمستوى أقل نتيجة لمتانة المجتمع الغزي.
٢- وإذا كانت إيران تتمتع بطاقاتها البشرية الذاتية وكثرة الموالين لها، فإن إسرائيل تتمتع بنفوذها الدولي، فالذي يواجه إسرائيل عليه أن يأخذ بحسابه أنه يواجه الغرب كله تقريبا، وهذه النقطة جعلت الدول العربية والإسلامية كلها تتجنب هذه المواجهة حتى تركيا التي تشترك مع غز ة بمشتركات أيدولوجية، وباكستان التي لديها قوة ردع ليست موجودة عند الدول العربية، وهكذا قل في ماليزيا وإندونيسيا وغيرهما.
ولكن كل هذا رغم مرارته لا ينبغي أن نأخذه بالمطلق، ولننظر في النقطة التالية:
٣- إن إسرائيل رغم كل هذا الدعم الغربي لازالت غارقة في رمال غز ة، فكيف نتصور لو أنها انتشرت بقواتها العسكرية لتفرض هيمنتها المباشرة مثلا على مصر؟ أو على سوريا أو العراق؟ ولذلك فإن تبجح النتن ياهو بتغيير خارطة الشرق الأوسط ونشر بعض الأوساط لخارطة إسراييل الكبرى، هو محض وهم، إلا إذا كان المقصود به الهيمنة عن بعد عبر الوكلاء والعملاء، أما وجود جيش ورجال أمن يغطون كل هذه المساحة فهذا غير ممكن، ولو حصل -لا سمح الله- فإن حركات المقاومة سيكون لها أول وليس لها آخر، وتجربة المقاومة العراقية ضد الجيش الأمريكي لازالت طرية وحاضرة في الوجدان، فوجود الاحتلال العسكري المباشر يجعل شعوبنا في مواجهة مباشرة مع هذا الاحتلال بحرية تامة على خلاف الهيمنة غير المباشرة حيث سيكون للحكومات حساباتها وستحول بين الشعوب وبين الاحتلال بشكل أو بآخر.
٤- بهذا الصدد أذكر حوارا بيني وبين المحلل الاستراتيجي المعروف صفوت الزيات، قال لي: إنكم من الطبيعي ستكونون أقدر على مواجهة الاحتلال الأمريكي لأنه احتلال أجنبي مفصول عن المجتمع العراقي تماما، لكن المشكلة الأكبر لو سلمت أمريكا العراق لإيران وانسحبت هي إلى قواعد بعيدة وآمنة، قال لي هذا الكلام في الأيام الأولى بعد الاحتلال، وهو الذي حصل بالفعل.
ولذلك فأغلب الظن أن إسرائيل ستخسر كثيرا لو جربت حظها في نشر قواتها على طول وعرض هذه الخارطة
٥- بناء على ما تقدم فإنه من المرجح أن تبقى الهيمنة الإسرائيلية الغربية بحدود فرض سياسات الأمر الواقع سياسيا واقتصاديا وليس عن طريق الاحتلال المباشر، بخلاف المشروع الإيراني الذي يسعى للدخول في أدق التفاصيل وبالطريقة المباشرة. لإن مهمة المشروع الإيراني كما أشرنا سابقا لا تقتصر على الهيمنة بل هي تسعى لتغيير الإسلام نفسه، بينما غاية المشروع الغربي في هذا المجال إلهاء شبابنا بالنزعات المادية الدنيوية بعيدا عن الدين. وقد ثبت أن مثل هذه النزعات لا تصمد طويلا على خلاف التغيير العقدي المرتبط بسرديات تاريخية وشعائر وطقوس معينة.
.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى