مقالات

د. محمد عياش الكبيسي يكتب: الزواج بين السنّة والشيعة

استمعت لاثنين من المشايخ، الأول شيعي: وقد أفتى بحرمة زواج الشيعية من السنّي على سبيل الاحتياط، ولم ينصح به.

والثاني من فقهاء السنة المعروفين، وقد أفتى بالجواز، مبينا أن الخلافات المذهبية ينبغي أن تكون سعة ورحمة لا فرقة وقطيعة، وذكر أنه قد سعى في تزويج شاب سني من فتاة شيعية.

وهنا رأيت أن عليّ كلاما لابد من قوله إبراء لذمتي أمام الله تعالى ونصحا لعباده،

وألخصه في الآتي:

١- إذا تكلمنا بالموضوعية وبالأمانة العلمية فإن الخلاف السني الشيعي لم يعد خلافا فقهيا، وهو ما كنا ندرسه في مناهج كليات الشريعة وحتى الأزهر وغيره، بل تعدّاه إلى أصول العقيدة، وربما لم يعد الخلاف الفقهي يذكر أصلا، فالخلاف يدور الآن حول الوصيّة والعصمة والموقف من الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين وعموم الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وصار منهم من يصرّح بتحريف القرآن وتأليه الأئمة واستمرار الوحي، وقد انتعشت هذه المعتقدات بعد ثورة الخميني ثم ازدادت بعد الاحتلال الأمريكي الإيراني للعراق، بعد أن كانت هذه المعتقدات مطمورة في بطون الكتب وعامة الناس من السنّة والشيعة لا يعرفون عنها إلا القليل.

٢- نحن مع أي صوت عاقل لتخفيف الاحتقان السني الشيعي، وقد ذاق الشعب العراقي الويلات بسبب هذا الاحتقان، لكن السؤال العملي؛ هل سيخفف هذا الزواج من حالة الاحتقان؟ أو أنه سيزيد من الاحتكاك والصدام؟

من وجهة نظري أنه سيزيد من الاحتكاك والصدام، وحالات الوئام التي يتكلمون عنها إنما هي بين الناس الذين لا يهمهم كثيرا أمر التديّن، أما الأب الذي يحرص على تنشئة أولاده على العقيدة التي يراها فإنه حتما سيصطدم مع زوجته التي تخالفه في ذلك.

٣- إن طرق تخفيف الاحتقان معروفة، وهي بيد السلطة ومؤسساتها التشريعية والقضائية والأمنية، وأولها إحياء روح المواطنة العادلة، وإلغاء كل حالات التمييز الطائفي، وأن تتعامل الدولة مع كل مواطنيها بميزان واحد.

أما التقارب عن طريق الزواج والمجاملات الصورية والإعلامية فهي أقرب إلى الخداع والعبث.

والله تعالى نسأله أن يكشف هذه الغمة، وأن يهدينا جميعا صراطه المستقيم الذي يضمن لنا سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.

د. محمد عياش الكبيسي

مفكر وداعية إسلامي، دكتوراه في الفقه الإسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى