نحن بلا شك نعيش في زمن الفتن وتلاطم الشبهات، والإيمان بلا علم قد لا يحمي صاحبه من الانزلاق في هذه الفتن والتأثر بتلك الشبهات.
أذكر لكم حالتين، حالة حصلت معي شخصيا وهي حالة من حالات كثيرة، والثانية أعلنها صاحبها عبر صفحات التواصل.
الحالة الأولى:
رجل في 58 من عمره، نشأ وترعرع في المساجد، ويعد من العاملين للإسلام ومن الصفوف الأولى، اتصل بي: هل ممكن أزوركم؟ حياك الله يا أخي على الرحب والسعة.
التقينا في بيتي المتواضع، وهو مضطرب، قال: ارجوك شيخ أنقذني، أنا الآن (نصف مؤمن ونصف ملحد)! ولا أحد يدري بي، وأنا بين إخواني لا زلت ذلك الداعية الذي يعرفون.
أصغيت له باهتمام، مشكلته كانت أنه تواصل مؤخرا مع رجل من أقربائه، وهو مثقف مقيم في الغرب كثير القراءة، لكنه ملحد، فبدأت بينهما حوارات جادة، تبيّن من خلالها أن صاحبنا لم يكن محصّنا تحصينا علميا كافيا، بل كان حاله حال كثيرين ممن يظنون أن الدعوة مجرد شعارات وعبارات وأدبيات وأناشيد ونحو ذلك.
بعد قرابة الساعتين تبيّن له والحمد لله حجم المغالطات التي تبنّاها قريبه، وأيقن أن القرآن نفسه قد أجاب عن هذه الشبهات!
هنا قال لي: أتدري يا شيخ كم مرة ختمت القرآن؟ كم مرة أشرفت على دورات تعليم القرآن للشباب؟ لماذا لم ينبهنا أحد إلى هذه المعاني؟ أين الخلل؟
أما الحالة الثانية؛
فرجل نشأ في أحضان الدعوة، وربما يعد نفسه أحد الدعاة النشطين، في لحظة تأثر عاطفي بموقف سياسي معيّن لم يدرك أبعاده، راح ليبشّر باكتشاف جديد؛ أنّ الله قد استبدل بهذه الأمة كلها الفرس، وهو هنا يقصد (الولي الفقيه) ومليشياته، بدلالة رواية (هذا وقومه) عن سيدنا سلمان، وبقرينة الواقع!
هو لم يكلف نفسه أن ينظر في عقائد القوم حول الألوهية والنبوة والقرآن والصحابة، ومصادرهم المعتمدة عندهم، والتي يلتقون عليها جميعا، وفتاواهم المثبته في مواقعهم الرسمية.
لم يكلف نفسه أن ينظر في أفعالهم وطقوسهم وشعائرهم وما فعلوه في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ولم يكلف نفسه حتى النظر في الرواية نفسها.
هو اختصر كل ذلك بكذبة (أن هذه الانحرافات موجودة عند بعضهم ولا تمثل غالبيتهم كما يوجد عندنا نحن بعض المنحرفين) هكذا بكل بساطة، وكأنه صار خبيرا بالأديان والفرق!
إن هذا الشاب وقع ضحية ما كنا نحذّر منه؛ أن الإعجاب السياسي، سيقود بالنتيجة إلى الإعجاب الفكري ثم العقدي، حيث إن المعجبين سيضطرون إلى السكوت أولا عن كل انحراف مهما بلغت خطورته العقدية، ثم يتطور السكوت إلى محاولة التبرير والتسويغ والتماس الأعذار، وصولا إلى التماهي.
إن من دلالات ضعف العقيدة أنها تعرض للبيع بأدنى مصلحة سياسية، وتتعرض للارتباك بأدنى شبهة وبآخر نشرة أخبار، وهذا هو الذي حذرنا منه نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله: (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا) الحديث.