الأحد أكتوبر 6, 2024
مقالات

د. محمد عياش الكبيسي يكتب: للباحثين في مجال الإعجاز الطبي

مشاركة:

أمس كانت هناك حلقة حواريّة ضمت عددا من الأطباء المسلمين المهتمين بالإعجاز القرآني والحديثي، وقبل مدة ليست بعيدة كان هناك مؤتمر حول الموضوع نفسه، وبودّي هنا أن أقدّم هذه الملحوظات العلمية المختصرة:

١- إن الإعجاز هو بمعنى المعجزة، سمّي بذلك لأنه يثبت عجز الآخر عن مجاراته، ويقيم الحجة القاطعة عليه، ولا شك أن القرآن معجز، لكن ما أسمعه من إخواني الأطباء ليس كله بهذا المستوى، بل قد يكون فيه معلومات طبية لم تستقر بعد، ولذلك قد نرى الخلاف فيها بين الأطباء المسلمين أنفسهم، وهذا معناه أنه لا زال في طور البحث، ولم يصل بعد إلى مستوى الإعجاز، فلا يصح أن نخاطب به الآخرين ونتحداهم به.

٢- رأيت بعض الأطباء غير متضلعين في اللغة العربية ولا في مصطلح الحديث ولا في أصول الفقه، ومع هذا يخوض في تفسير الآيات والأحاديث ومقولات الفقهاء ليحتج بها على نظريته (الإعجازية) وهذا لا يجوز، فلابد من مشاورة أهل التخصص اللغوي والشرعي مشاورة جادة ودقيقة.

٣- رأيت بعضهم أيضًا لا يتكلم بمنطق العلم ولا حتى بمنطق الطب وإنما يتكلم بمنطق الإيمان الذاتي ومثال ذلك قول أحدهم متحدّيا: أنا باستطاعتي أن أعالج كل أعمى بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين) وقد نسي هذا الأخ في غمرة حماسه أن بعض الصحابة قد فقدوا أبصارهم ولم يتعالجوا بالكمأ، فالحديث ليس هذا معناه، وهذا التفسير مع كونه خطأ فهو يأتي بنتائج عكسية في موضوع الإعجاز تماما.

٤- رأيت بعضهم أيضًا لا يفرّق بين نصوص الوحي وبين أقوال بعض الفقهاء والمفسرين المستندة إلى معلومات طبية كانت موجودة في زمانهم، وهذه المعلومات قد تكون خاطئة، فينبغي الانتباه إلى ذلك، فقد رأيت لابن القيم رحمه الله معلومات طبية كثيرة منقولة عن الطبيب اليوناني (أبقراط)، فيدخلها بعض الإخوة في مظلة بحوث الإعجاز! وبعضهم يظن أن كتاب (الطب النبوي) كله وحي عن رسول الله يبلغه عن ربه، والحقيقة ليست كذلك، والمسألة هذه يطول شرحها.

ومثل ذلك أيضًا ما انتشر عند بعض مذاهبنا الفقهية من القول بإمكانية بقاء الجنين في بطن أمه لسنوات، وهذا مستحيل في الطب، والفقهاء لم يستندوا في هذا إلى آية أو حديث وإنما لمعطيات طبية في ذلك الوقت، فهم معذورون بلا شك، لكننا لسنا معذورين في التمسك بها والدفاع عنها وكأنها من الوحي المنزّل.

٥- رأيت أيضًا من يتكلف كثيرا للبحث عن قول ولو كان شاذا في اللغة أو في غيرها ليستخرج إعجازًا جديدا، والقرآن لا يحتاج أبدا إلى هذه التكلفات، بل هذه تضعف موقفنا وتفتح علينا ثغرات نحن في غنى عنها.

٦- رأيت من بعض المشايخ المهتمين بهذا الشأن من يخطب على المنبر أو في وسائل الإعلام مبشّرا ومتحديا بكشوفات علمية موافقة للقرآن أو السنة بزعمه فتراه يردد (ثبت علميا) وعند التحقيق تجد أن هذا مجرد منشور منقول وهو كذب صريح، أو قول لكاتب غربي ليس من أهل الاختصاص أصلا، بل هناك (فخاخ) ينصبها أهل الباطل يتصيّدون بها بعض مشايخنا ودعاتنا، مثل ما فعلوا بأحد المشايخ حيث أوصلوا له معلومة أن سياقة المرأة للسيارة تضر بمبايضها، وكان الشيخ يرى حرمة سياقتها فراح يبشّر مصلّيه ومستمعيه بهذا الكشف العلمي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولا يفوتني بعد كل هذه الملحوظات أن أشيد بفرسان هذا الميدان والباحثين فيه بعلم وكفاءة وإخلاص، وقد تعلمت منهم الكثير وفقهم الله وكثّر من أمثالهم.

Please follow and like us:
د. محمد عياش الكبيسي
مفكر وداعية اسلامي، دكتوراه في الفقه الاسلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *