الأحد يوليو 7, 2024
مقالات

د. محمود خليل يكتب: «مرجليوث».. وأفعى المحاصرة والتطويق

لكي نعرف شيئا عن مساحة عمل مرجليوث (ديفيد صمويل مرجليوث) David Samuel

Margolioth

 (١٨٥٨-١٩٤٠ م) ذلك المستشرق القس العاتي، الذي فتن به طه حسين وعلي عبد الرازق، فكانوا من أوائل غلمانه ورقيقه..

علينا أن نعلم، أن من أهم ما قام به مرجليوث، لتدجين أبناء المستعمرات البريطانية في المشارق والمغارب، وتسميم أفكار أبنائهم، ما قام به عن كامل وعي مسبق، بترجمة كتاب (تاريخ التمدن الإسلامي) بأجزائه الخمسة لجورجي زيدان، وتقرير تدريسه من قبل الدكتور (هارويز) كمنهج دراسي على طلاب جامعة (عليكرة) في الهند (أحد أعظم المستعمرات البريطانية، وأحد أضخم التجمعات الإسلامية العالمية أيضا).

وكذلك كان مرجليوث قد وضع عام 1905 كتابه الشهير (محمد ونشأة الإسلام).. وكان غاصا بالاختلاقات الكاذبة، والتشويه العمدي، والتدليس المشين.

ولما وجد الدكتور (يوسف ها رويز) الأستاذ بجامعة عليكرة ضالته في هذا الكتاب أيضا.. قرر تدريسه هو الآخر بنفس الجامعة، ضمن مقررات درجة (المولوية) التي تعني(المشيخة).

فوقف لهم العلامة الهندي الكبير الشيخ شبلي النعماني، الذي كان يعمل بجامعة (عليكرة) أستاذا للغة العربية والأدب العربي، منذ يناير 1883.. لما رأى ما قام به هؤلاء المجرمون، من فرض وتدريس للخبث والخبائث، ودسها بكل نعومة ودهاء.. ووجد هذا الالتفاف اللعين من مرجليوث، بالتعاون مع أحد أهم صبيان المستشرقين في العالم (جورجي زيدان) ٠٠الذي كان وثيق الصلة بهم، وعمل من أول يوم في حياته، موظفا رسميا بوزارة المستعمرات البريطانية، ضمن جهاز المخابرات كمترجم بحملة (ويلسلي) التي أرسلها الإنجليز لإنقاذ (غوردون باشا) من المهدي ورجاله، الذين وصفهم جرجي زيدان بالأعداء العصاة.

ولما عادت الحملة من السودان بعد عشرة أشهر، كرمه الإنجليز بإهدائه النجمة الملكية الذهبية الإنجليزية، وميداليتين أخريين، زيادة في التقدير والتكريم.

يقول الدكتور محمد حرب: «ولم يستطع المؤرخون حتى الآن معرفة المهمة التي قام بها جورجي زيدان في السودان في ذلك الحين».

 وقد كانت هذه الحملة عام 1884 وكان قوامها 7000 من خيار الأشراف والنبلاء الإنجليز وأبنائهم.

 وكانت هناك علاقة ثقافية واسعة بين العلامة شبلي النعماني وجورجي زيدان، حيث كان زيدان ينشر للعلامة النعماني بالهلال بصفة دائمة تقريبا، وبينهما مراسلات وعلاقات، ضمن الإطار الثقافي الذي كان يجمع كل الناطقين بالعربية بمصر في ذلك الوقت، باعتبارها قلب العروبة والثقافة والإسلام.

 يقول العلامة الشيخ شبلي النعماني: «لما نشر زيدان ذلك، وكنت دائم التصويب والتصحيح له، ولكنه لما لم يجد من يرد عليه في المنطقة بأسرها، ووجد الجو صافيا.. فأرخى العنان، وتمادى في الغي، وأسرف في النكاية بالعرب، عموما وخلفاء بني أمية خصوصا، وكان يمنعني من النهوض إلى كشف دسائسه، اشتغالي بأمر (ندوة العلماء).. لكن لما عم البلاء وتوسع الخرق وتفاقم الشر، لم أطق الصبر فاختلست من أوقاتي أياما، وتصديت للكشف عن عوار هذا التأليف، وإزالة ما فيه من الدس والإفك والزور، وأصناف التحريف والتدليس» (شبلي النعماني، الانتقاد على التمدن الإسلامي، طبعة الهند ص ١-٢).

ولما وجد العلامة شبلي النعماني هذه الأفعال المطوقة لأبناء المسلمين، ما بين تعاون (مرجليوث ويوسف ها رويز وجورجي زيدان).. قرر قطع صلته نهائيا بجورجي زيدان، وقام عام 1911 بوضع مؤلفه العلمي الرصين (الانتقاد على تاريخ التمدن الإسلامي للفاضل جورجي زيدان).

 وقد وضع شبلي النعماني مؤلفه الفخم باللغة العربية، وكان يتقن العربية والإنجليزية والفارسية والهندية والأردية والتركية والفرنسية..

 وبأرقى درجات الأدب.. تناول شبلي النعماني، تصويب وتصحيح أوهام وتدليس ودسائس جورجي زيدان، لتكون الرسالة أتم وأبلغ.. بلسان عربي مبين.

 لأن روايات زيدان في ذلك الوقت، كانت قد لقيت رواجا منقطع النظير، بفضل الآلة الترويجية الميسرة والمسيرة، لمثل هذا النوع من الاختراق المفعم بالتشويه الناعم، والسم المعسول.

 يقول (محرم جلبي): «كان زيدان ينهج النهج الغربي في كل ما كتب، تحت تأثير المستشرقين.. خاصة من يحملون وجهة النظر المعارضة والمعادية للإسلام، من أمثال دي ساسي وبروكلمان ونولدكه وسيدي وفون كريمر وجولدتسيهر وغيرهم».

 وكذلك لجدة فن الرواية في ذلك الوقت، وإتقان جورجي زيدان للتسلل من خلال هذا الفن الجديد.. بحمل التاريخ في طياته، حتى حدا الأمر ببعض كبار المفكرين العرب أن يقول: «إنما جورجي زيدان أراد أن يعلمنا تاريخنا من خلال هذه الرواية التي ابتكرها وأضافها إلى أدبنا الجديد».

وكذلك دأب زيدان المنقطع النظير، الذي توفر فيه على كل وسائل النجاح والنشر التي وضعت تحت يديه.

 وما أظن القروش والجنيهات التي ربحها زيدان في ذلك الوقت، كانت كافية لبناء هذا الصرح الفخيم بقلب القاهرة، والتي كانت الدولة نفسها لا تملك له مثيلا، والمسمى عن وعي مسبق (دار الهلال).

ومن الأيادي البيضاء أيضا لمولانا العلامة شبلي النعماني، أنه اقترب كثيرا جدا من العلامة الإنجليزي المفكر المنصف (توماس أرنولد T٠Arnold (١٨٦٤-١٩٣٠) الذي كان يعمل أستاذا بنفس الجامعة، والذي كان من قبل، معلما مباشرا للشاعر المفكر الفيلسوف محمد إقبال.

واتفقا معا أن يعلم كل منهما الآخر لغة عالمية، حتى درجة الإتقان.

 فكان على النعماني أن يعلم أرنولد اللغة العربية وآدابها، ونحوها وصرفها.

كذلك قام أرنولد بتعليم النعماني اللغة الفرنسية وتاريخها،ومناهج البحث بنفس الإتقان.

ويا طالما اصطحبا في رحلات علمية و سياحية حول العالم.

 ومن المعروف أن (ديفيد مرجليوث) هو أول من شكك في أصول اللغة العربية، وأول من شكك في الشعر الجاهلي القديم وفي مصدريته للغة والتاريخ، وخرج من نظريته تلك، بنتائج في غاية الخطورة، مفادها الشك في تاريخ الأنبياء والقرآن نفسه.

وكان أحد أهم من كتبوا دائرة المعارف البريطانية، كما كان عضوا بالجمعية الآسيوية الملكية، ثم أصبح رئيسا لها فيما بعد.

 كذلك كان عضوا بالمجمع اللغوي لمصر، والمجمع العلمي بالعراق.

 لكنه كان يؤدي رسالته كقنصل من قناصل الاستعمار، الذي بدا في ثوب مستشرق، وفي زي باحث، وفي هيئة أستاذ جامعي ولغوي مرموق.

Please follow and like us:
د. محمود خليل
كبير مذيعين‏ لدى ‏إذاعة القرآن الكريم من القاهرة‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب