د. مصطفى عبدالقادر يكتب: قطع أذرع الملالي إقليميا

لعقود طويلة خلت كان لبنان هو المرتكز الأساس لدفع مخططات الدكتاتورية الإيرانية للتغلغل الإقليمي، وتثبيت فكرة الهلال الشيعي في المنطقة،
والانطلاق نحو تحقيق مآرب طال انتظارها لخدمة أهواء طغمة فاسدة، عديمة الذمة والأخلاق،
إذ اعتبرت حزب الله اللبناني مفتاحها الأهم لولوج أكثر من باب عاصمة عربية، كان قد استحكم إغلاقه، وأوصدت أقفاله بوجهها،
علما أن نظام ملالي إيران لم يدع فرصة تفوته لإيجاد موضع قدم له في هذه الدولة أو تلك ومن ثم التمترس عبر وكلائه الذين أغدق عليهم المال والسلاح بعد أن ارتموا في أحضانه،
وطغى عليهم الولاء الطائفي على الولاء الوطني فربطوا مصيرهم بمصيره، وباعوا أوطانهم التي عانت بسببهم الخراب والدمار..
وكل ذلك لأجل إرضاء نظام ولاية الفقيه صاحب الأطماع التوسعية الإقليمية والمآرب الشيطانية بكل خبثها وتغولها، فاطمأن هذا النظام معتقدا أن الساحة قد دانت له،
وأن الأمور تسير من حسنٍ إلى أحسن لطالما استطاع ضم عدة بلدان عربية تحت جناحه،
وتحكم بتسيير دفة السياسة فيها بكل يسر وسهولة كما حدث وفعلوا في (لبنان، سوريا، العراق، اليمن وفلسطين من خلال ضربه لمنظمة التحرير واحتضانه لحماس)،
فأصبح بالنسبة لهذه الكيانات الموالية له بمثابة الأب الروحي الحريص على رعاية مصالحها، والمستعد لمعاداة من يعاديها.
زعزعة كيان حزب الله
لم تدم (سنين العسل) هذه بعد زعزعة كيان حزب الله في لبنان، وتهلهله من قبل إسرائيل بضربات خارقة حارقة أوجعته،
وضعضعت أهم وأقوى أوراق الملالي التي كانوا يقامرون ويغامرون من خلالها بكل ثقة واعتداد،
ما أدى إلى استعادة الدولة اللبنانية لهيبتها، وأخذ دورها المُصادر سابقا من قبل حزب الله ولعقود.
الآن. السلطات اللبنانية بدأت تسترد عافيتها المغيبة، وممارسة صلاحياتها المناطة بها، حيث توجه سياستها وفقا لرؤيتها وما تقتضيه مصلحتها الوطنية والقومية،
وليس كما يريد حزب الله الذي اعتاد التدخل في شؤون الدولة، والتصرف بما يملي عليه نظام ولاية الفقيه، حيث يأمره فينفذ.
وبناء على ما تقدم، تم قطع الإمدادات العسكرية، والمالية عن حزب الله التي كانت تأتيه من إيران عبر سوريا دون أية عوائق.
انتصار الثورة السورية
لقد تغير الوضع بعد طرد الملالي وأذنابهم من سوريا، وانتصار الثورة السورية المباركة،
حيث لم تعد من وسيلة أمام إيران لإيصال ما تريد إلى حزب الله (المتهالك) سوى وسيلة الطيران حيث كانت تهرب الأموال عن طريق الجو،
وهي التي هيمنت على لبنان هيمنة شبه مطلقة بما في ذلك مطار بيروت الدولي،
وبعد اتخاذ الخطوة الجريئة من قبل السلطات اللبنانية بمنع حركة الطيران بين لبنان وإيران،
تم تشديد الخناق على ما تبقى من حزب الله، ووُجهت بذات الوقت ضربة سياسية صاعقة لحكام إيران،
فهم الذين كانوا يسرحون ويمرحون فوق الأراضي اللبنانية عبر تواجد وكيلهم الموءود،
واليوم وجدوا قبضتهم المسيطرة على لبنان قد رُفِعت، ويريدون إمداد أنصارهم بالمال فلا تستطيع بعد أن تم قطع كل طرق الإمداد.
منع حركة الطيران بين إيران ولبنان
إن قرار منع حركة الطيران بين إيران ولبنان لهو قرار صائب حكيم سوف تبنى عليه آمال واعدة،
وتتمخض عنه نتائج إيجابية قادرة على تحجيم النفوذ الإيراني في لبنان بعد أن تم اجتثاث أذناب الملالي من سوريا،
وحشرهم في زوايا ضيقة في العراق، وإن المعطيات السياسية اليوم غيره تلك التي كانت في الأمس،
فهي نتاج مصالح دول تعاقب بينها التضارب والتوافق حسب ما تمليه الرغبة في الحفاظ على حد معقول ومقبول يلبي ما تطمح لتحقيقه هذه الدولة أو تلك،
ومدى توافق سير بعض السياسات الإقليمية في ركاب ما يخدم بعض الدول الكبرى ضمن توجهات ما تعتبره يدخل في نطاق أمنها القومي ومصالحها العليا.
يؤكد ذلك ما حصل في منطقتنا العربية من أحداث متسارعة لم يستطع حكام إيران هضمها،
واستيعاب ما يترتب عليها بغية تجنب انعكاساتها السلبية عليهم، أو الاكتواء بأتون نارها مجددا،
بل على العكس من ذلك تماما، نجد ملالي إيران في حالة تصاعد من الصلف والطغيان
ما يؤدي إلى خسرانهم لرهاناتهم السياسية في مغامراتهم عديمة الحساب والتحسب.
هل ستستيقظ المنطقة على زوال حكام إيران
ومن الأسئلة التي تطرح نفسها اليوم في ظل مواجهات وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية ضد حكم الملالي،
وفي ظل تصاعد المواجهات الشعبية العارمة ضد كل ما يمت بصلة لنظام ولاية الفقيه:
هلْ ستستيقظ المنطقة في القريب لتجد أن زوال حكام إيران، وانقراض عهد إجرام دموي جثم فوق صدور الشعب الإيراني طويلا وأشبعه تنكيلا وتقتيلا قد أصبح حقيقة قائمة؟
هَل سيفرح الشعب الإيراني، والشعوب المحبة للسلام بمتابعة محاكمات شعبية تطال نظام الملالي ورموزه الباغية،
فيشفى غليل صدورهم وهم يتفرجون عليهم، وقد تدلت أجسادهم من حبال أعواد المشانق؟
هل ستعود إيران في أقرب وقت إلى أخذ مكانها الطبيعي بالانضمام إلى ركاب الدول المساهمة في رفد معطيات الحضارة الإنسانية
وهي صاحبة الباع الطويل والتاريخ العظيم في المشاركة بازدهار التنوير العلمي والإنتاج الثقافي المديد؟
نتمنى ذلك يقينا. يحدونا أمل قيام دولة ديمقراطية غير نووية بعيدة عن الحروب، حريصة على التعايش مع بقية شعوب العالم بكل وئام وإخاء،
ساعية إلى رفد القيم الحضارية المادية والروحية بكل نبلها الإنساني.. أملنا ألا يكون ذلك بعيدا.