الرائد هو ذاك الشخص المهم الذي يعتمد عليه الناس في رسم خطة المستقبل وغالبًا هو من الموثقين عند أصحابه وأهله وإذا أخبر بخبر نادرًا ما يعارضه قومه لأنه لا يتصور أبدًا أن يكذبهم أو يخونهم أو يسير بهم نحو المهالك وفي الأثر المشهور : إنَّ الرَّائِدَ لا يَكْذِبُ أَهْلَهُ
وكان الناس يعتمدون على الرائد فقد كانت مهمته نوعية ولها تأثير على اتجاه حركة القبيلة أو المجتمع فهو كما في المعجم الوسيط: “الرائدُ من يتقدّم القومَ يبصر لهم الكلأ ومساقط الغيث”
فالرائد هو الذي يتقدّم الجماعةَ ليتبصّر في أمورها، ويستعلم لها الوقائع التي تتعلّق بمصالحها.
واعتمادًا على ما يعود به من أخبار ومعلومات، تبني هذه الجماعةُ مواقفَها العامّة، فإمّا أن تتقدّم لإنجاز أمر ما يتعلّق بشؤونها العامّة وبقضاياها المصيرية، وإمّا أن تتراجع عن هذه المواقف وتحجم عنها لما يكتنفها من أخطار تهدّد كِيانَها الجماعي أو مصالحها العامّة.
إنّ المؤثّر اليوم في التواصل الاجتماعي مثل الرائد من حيث أثره على الناس.
فالتواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي أصبحا جزءًا من ذات الإنسان ويقضي معهما أكثر وقته ويتنقل بين أدواتهما المتنوعة. والناس المؤثرين فيه نوعين:
الأول مثله مصعب بين عمير -رضي الله عنه – (المؤثرين الايجابيين):
كان رائدًا مميّزًا واختاره النبي صلى الله عليه وسلم ليكون سفيرًا له في المدينة المنورة، فجذب بأسلوبه الليّن وسمته الحسن خَلقًا كثيرًا من أهل المدينة. وأسهمت خصال مصعب التي ميزته من سكينة وأناة وعلم وقوة حجة في انتشار الإسلام في المدينة المنورة، حتى لم تبق إلا بيوت معدودة لم يدخلها. وكان منهم قادة أصبحوا من كبار الصحابة، كما كان لهم شأن في نشر الرسالة والذبّ عنها، كأُسيد بن حضير وسعد بن معاذ.
وهكذا المؤثرين في عالمنا اليوم لا بدّ أن يكونوا مثل مصعب في التأثير على المتابعين حيث يمكن توجيههم إلى ماهو خير لهم في الدنيا والآخرة، والمساهمة في حمايتهم من المفسدين في الإعلام الاجتماعي ورعايتهم بالكلمة الطيبة واللفتات الجميلة والنصائح المثمرة. ولتعلم أيها المؤثر أنَّ هذا القبول لك من أعظم النّعم عليك. فقد أخبر النبيّ صلّى الله عليه وسلم:” إنَّ من الناس ناسًا مَفاتيح للخير مَغاليق للشَّرِّ، وإنَّ من الناس ناسًا مَفاتيح للشَّرِّ مَغاليق للخير، فطُوبَى لِمَن جعَل الله مَفاتيح الخير على يدَيْه، ووَيْلٌ لِمَن جعَل الله مفاتيح الشَّرِّ على يدَيْه” رواه ابن ماجه.
فانظر لهذا الوصف الدقيق لحالة الناس والتشبيه البليغ، فالمؤثر كأنّه بكلماته ومقاطعه مفتاح يستطيع به أن يفتح قلوب الناس لما يملك من قدرات ومهارات ويملؤها إمّا بالخير أو الشر والأعجب في النتيجة، إما (طوبي) أو (ويل) وللمؤثر أن يختار النتيجة…..
وهناك توجيه من النبي صلى الله عليه وسلم يوضح للأثر المتعدي للناشط في التواصل الاجتماعي (الدالَّ على الخير كفاعِلِه) رواه الترمذي. وهذا الحديث من الأحاديث العظيمة التي تثبت أن الأجور أو الآثام لا تتوقف عند البلاغ فإنّها تتعدى في تأثيرها على المتلقي وربما المتلقي ينقلها لمن بعده لحديث (فرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى من سامِعٍ) رواه الترمذي.
لذا على كل مؤثر أن يحرص في الاقتداء بمصعب وأمثاله من الموجهين والمؤثرين العظماء الذين جعلوا لهم بصمة وأثرا.
ولا يكون كالوليد بن المغيرة المكنّى بأبا عبد شمس، المثل الثاني للمؤثرين السلبيين:
كانَ عظيم القدر فِي زمانه وَكَانَ يقال لَهُ العدل لأنه كَانَ يكسو الكعبة سنة وتكسوها قُرَيْش سنة فكان يعدلها، وقيل لَهُ الوحيد»، ويمتلك حجّة وبيان وعلم ومهارات وقدرات عجيبة وصفها الله بكتابة الكريم (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا *وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ)، ولكن استعملها في الحرب على دعوة الإسلام والتلبيس على الجماهير بطرق ذكية وتفكير دقيق وأساليب لغوية تتناسب مع الحالة في المجتمع العربي:
(اجتمع مع نفر من قومه، وكان ذا سن فيهم، وقد حضر موسم الحج فقال لهم: يا معشر قريش! إنه قد حضر الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيكَذِّب بعضكم بعضاً، ويردَّ قول بعضكم بعضاً. فقالوا: فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقول به. قال: بل أنتم قولوا أسمع، فقالوا: نقول كاهن، فقال: ما هو بكاهن، لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن وسجعه، فقالوا: نقول مجنون، فقال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو تخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته، فقالوا: نقول شاعر، فقال: ما هو بشاعر، قد عرفنا الشعر برجزه وفريضة ومقبوضة ومبسوطة ، فما هو بالشعر، قالوا: فنقول ساحر، قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحّار وسحرهم، فما هو بنفثه ولا عقده، قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناة وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل وإن أقرب القول لأن تقولوا: ساحر، فقولوا: ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وعشيرته)
وهنا وصفه الله بوصف عجيب وهذا الوصف ينطبق على كثير من المؤثرين الفاسدين من حيث التخطيط والمهارة في الكذب أو في تجميل المعاصي أو المواقف السلبية … (كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا *سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ)
لم ينفع أبا عبد شمس ما يملك من علم وذكاء وقوه وأسلوب وأموال.. الخ. فكانت عاقبته سقر ذات حر شديد ولا تبقي أحد من البشر على حاله بل تحرقه – نسأل الله العافية-
فالمؤثر السلبي عليه أن يعرف أنّ أثره مستمر حتى بعد مماته، وربما يحصد السيّئات التي يتمنى لوكان حيًّا ما غرد تلك التغريدات وما أرسل المقاطع.
فمن أراد أن يحقق الريادة والسيادة من المؤثرين في مجال الإعلام الرقمي فعليه ما يلي:
1- أن يجعل نيته في العمل على وسائل التواصل الاجتماعي خالصة لوجه الله تعالى، وأن يبتغي بذلك وجهه الكريم.
2- أن يتحرّى الدقة والمصداقية في نقل الأخبار والمعلومات، وأن يتجنب الكذب والغش والخداع.
3- أن يحذر من نشر الشائعات والأكاذيب التي قد تضر بالمجتمع وتثير الفتن. قال صلى الله عليه وسلم: “كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ” [رواه مسلم].
4- أن يتحلّى بالحياء والعفة في سلوكه وكلامه، وأن يتجنب كل ما يخدش الحياء وينافي الأخلاق الإسلامية.
5- أن يتواضع للناس وألّا يتكبر عليهم، وأن يعامل الجميع بلطف واحترام.
6- أن يتصف بالرفق واللين في دعوته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
7- أن يحرص على قول الكلمة الطيبة وأن يتجنب الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء بالآخرين ويحترم خصوصية الآخرين وألّا ينتهك حرماتهم.
8- أن يتجنب الخوض في الباطل والأمور التي لا تعنيه، وأن يبتعد عن الجدل والمراء. وأن يحذر من إثارة الفتن والتحريض على الكراهية والبغضاء بين الناس.
9- أن يتحمل المسؤولية الأدبية والشرعية في ما يقول وما يفعل على وسائل التواصل الاجتماعي