لقد سألني أحد المهتمين بقضية المعتقلين والأسرى المظلومين في عالمنا العربي- وهو يتألم – كيف نقوم بمساعدتهم؟ بعيداً عن الحوفلة، والدعاء، والحزن وغيرها من أعمال القلوب الطيبة التي لا شك في أن لها أثر إذا صدق صاحبها واستمر في أدائها لأن العبرة في الديمومة.
فقلت له سأذكر لك بعض الأمور التي من الممكن أن نفعلها انطلاقًا من واقعنا الذي نعيشه، فإذا كنا نفعل هذا الشيء، ويمكن أن نقوم به، فلا عذر يبيح لنا عدم القيام به لأجل المعتقلين والمعتقلات:
1- كن قبلياً: فعندما يَقتل أحد أبناء قبائل جزيرة العرب أحداً من الناس تقوم القبيلة ولا تقعد حتى تخرج ابنها من السجن، وتجمع ملايين الدولارات وتعلن في كل الوسائل الإعلامية، فلا حرج في هذا الامر، بل هو قمة المروءة والاستعلاء، بل إن الحرج والعيب هو بقاء ابنهم في السجن….
فالمعتقلين والمعتقلات مثلهم في عالمنا العربي يحتاجون مبالغ لإخراجهم من السجون لا تصل الى 1 بالمئة ممّا تجمعه القبائل…. فأين أنت منهم؟
2- كن إنسانياً : الذين يعملون في الحقل الإنساني والخيري يجتهدون ويجمعون الأموال ويسافرون ….الخ ؛ من أجل العوائل والأسر المهجرة واللاجئين وغيرهم، ويوجد هناك آلاف من أسر وعوائل الأخوة والأخوات وهم في أشد الحاجة للمساعدات، فلقد غاب عنهم معيلهم في السجن، بينما هؤلاء اللاجئين والمهجرين وغيرهم من المحتاجين في فضاء الحرية ولا ننكر حقهم في المساعدات .. لكن هل يعقل أن نهمل أسرة المعتقل ولا نقدم لهم المساعدة…. أخبرني أيها الناشط الإنساني الخيري ما عذرك أمام الله وعذرك أمام اخوانك عند خروجهم من السجن؟
3- كن مشهوراً: هؤلاء المشاهير في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، أكرمهم الله بهذه الشهرة وجعلهم قدوة وسخر لهم قلوب الناس. هذه الشهرة لها زكاة وحقوق تجاه أخوانك وأخواتك المظلومين في السجن، ألا تريد أن تكون مشهوراً أمام الملائكة بالدفاع عن المظلومين؟ ألا تريد لصحيفتك أن تكون شهرتها بين السماء والأرض، ويوم القيامة تجدها نوراً عظيماً يشفع لك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته (.رواه أحمد (16415) وأبو داود (4884) وحسنه الألباني
4- كن إعلامياً: أنت صاحب صنعة في الإعلام (مونتير، مصور، مسوق…. الخ) وتملك مهارات مميزة في هذا الباب، ما الذي يمنعك من تقديم فيديو أو منشور أسبوعياً على وسائل التواصل الاجتماعي محتسباً الدفاع عن العلماء والدعاة، تخيل لو قام 100 ألف متخصص في الإعلام بإصدار منشوراً أو مقطعاً عن قضية المعتقلين؟ تخيل ماذا سيحدث من تأثير كبير؟
5- كن حقوقياً: من أشد الوسائل تأثيراً على إخراج المعتقلين وإبراز قضيتهم هي العمل الحقوقي، وخاصة وفي أوروبا وأمريكا وفي بعض الدول العربية التي تسمح بمساحة من الحرية. فإذا انت تفاعلت مع المؤسسات الحقوقية وشاركت في أنشطتها وهي مدنية ومرخصة قانونياً، وقدمت لهم تطوعك الوقتي في مناصرتهم؛ ستجد فارق في ذاتك وتأثير على من حولك. فالمسألة ببساطة هي متابعة أنشطة المؤسسات الحقوقية وتقدم لهم جزءًا من جهدك.
6- كن داعياً: الدعاة والعلماء يتحدثون في الكثير من قضايا الأمة الإسلامية، ولكنهم نادراً ما يتذكرون قضايا المعتقلين الا في المناسبات او ردود أفعال للأخبار الإعلامية وهذا لا شك تقصير ملحوظ ، فكن أنت ومن معك من أصحابك المحرضين لهؤلاء العلماء والمؤسسات العلمانية لإخراج البيانات والفتوى والمواقف، واستمر داعياً وضاغطاً عليهم محتسباً في متابعتهم حتى تكون قضيتهم الأساسية.
7- كن قاصاً: يجب على كل الأدباء والشعراء والكتّاب والوعّاظ أن يجعلوا قصص وأحوال وتاريخ المعتقلين مادّة للأطفال والكبار وتصوير بطولاتهم ومواقفهم وجعلهم رموزاً يُقتدى بهم، وعلى الآباء والأمهات أن يقصّوا حكايات هؤلاء القدوات لأبنائهم ويحدثونهم عن الظلم والعدل.
8- كن معهم: إن العاملين في مؤسسة جسد الإعلامية محتسبون في قضية المعتقلين إعلامياً، ويتبنون فكرة إخراج تراث المعتقلين من العلماء والدعاة والناشطين ونشره في وسائل التواصل الاجتماعي في كل البلاد العربية ولن ينجحوا إلا بوقوفك معهم مادياً ومعنوياً، اذهب إلى حساباتهم ومواقعهم وتواصل معهم واعلم أن ما تنفقه في نصرتهم سيكون لك فيه أجراً عظيماً.
أخيراً…
كن معتقلاً … لا تكن سلبياً:
المقال يريد منك أن تعلم لو كنت معتقلاً الآن لأي سبب من الأسباب، هل تقبل السلبية والتبرير من أهلك وأحبائك وإخوانك هل تعتذر لهم؟
ما هي مشاعرك وأنت في الزنزانة وحدك بين أربعة جدران تلعب بك الأفكار وتجاذبك الهموم وأنت مظلوم؟؟؟
وكل من تحب يقول:
– عليك بالصبر فالسجن للرجال وابن تيمية قد سُجن…
– لا حول ولا قوة الا بالله، ماذا نفعل والنظام ظالم وقد يضعني بالسجن.
– ندعو له في آخر الليل، وآخر الليل في سبات عظيم.
– ماذا أستطيع أن افعل له، لا تكن عاطفيا كن منطقيا هل تريدني أن أخسر المكتسبات الدعوية والخيرية التي نحققها…الخ؟
بقلب محب لك
كل ما سبق أوهام لا تقوم على حقائق ولا معلومات حقيقية، والحذر لا يعني الخوف، والعمل لا يعني التهور، والاستطاعة لا تعني العجز ومن أراد لا تعجزه الحيل والأفكار والوسائل . {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا}
يقول القرطبي في تفسير الآية ( فإنه يقول: فبالله، أيها المؤمنون، فثقوا، وعليه فتوكلوا، وإليه فارغبوا، دون غيره، يكفكم مهمَّكم، وينصركم على أعدائكم ” وكفى بالله وليًّا ” يقول: وكفاكم وحسْبكم بالله ربكم وليًّا يليكم ويلي أموركم بالحياطة لكم، والحراسة من أن يستفزّكم أعداؤكم عن دينكم، أو يصدّوكم عن اتباع نبيكم
” وكفى بالله نصيرًا “يقول: وحسبكم بالله ناصرًا لكم على أعدائكم وأعداء دينكم، وعلى من بغاكم الغوائل، وبغى دينكم العَوَج.)