د. نارت قاخون يكتب: حين يصير التّوسيع «تضييعاً»
قرأتُ كتاب «الخصائص» لابن جنّي أوّل مرّة قبل سنوات، ربما تزيد عن 25، وهو مع غيره من الكتب، أعيد القراءة فيها مرّات ومرّات، وبعضها صار جزءاً من «الورد اليوميّ» للقراءة، حتّى لو كان المقروء صفحة واحدة في اليوم.
من الأبواب الّتي شغلتني حتّى كتبتُ فيها «بحثاً» قبل سنوات لم أنشره بعدُ، «باب في مطل الحركات»؛ أي إشباع الحركات لفظاً وكتابة، فتصير الكسرة ياء، والضّمّة واواً، والفتحة ألفاً.
وأستطيع هنا بمقاصد «علميّة» موضوعيّة مجرّدة، أن أورد «مسوّغات» عديدة تنقل كتابة «أنتي» من «الخطأ المرفوض»، إلى وجه «مقبول». ولكنّني لن أفعل، كما لم أنشر عدّة أبحاثٍ يصل مجموعها إلى كتاب في «مقترحات جديدة في التّصويب اللّسانيّ»، ليس لأنّني تراجعتُ عن «مشروعيّتها العلميّة»، ولا مقبوليّتها اللّسانيّة، بل اعتباراً لما هو أوسع، وأكثر تركيباً، وأعني «السّياقات» الّتي تُطرَح فيها مثل هذه “المقترحات”.
لا نعايش زمن صحّة وقوّة في «اللّسان العربيّ» في جميع مستوياته! حتّى «العامّيّات» تتنزاعها من جهة «عامّيّات» مغرقة في «محلّيّتها ووحشيّتها»؛ فنسمع من يتحدّث بلهجة لم تكن لهجة آبائه وأجداده، ويزعم أنّه يتحدّث بلهجتهم، وهي مغرقة في «الإغراب»، حتّى أنّ سامعها من البلد نفسه، بل من العشيرة نفسها يحتاج مترجماً!
كما تتنازعها من جهة أخرى «أنجلزة»، و«فرنسة»، حتّى صارت بعض اللّهجات جمعاً بين أخسّ ما في اللّهجة العربيّة العاميّة، وأخسّ التّعبيرات والكلمات الإنجليزيّة والفرنسيّة وغيرها!
أمّا ما نسمّيه «الفصيحة»، أو«الفصحى» على خلاف بين المشتغلين في علوم اللّغة، وخلاف أشدّ في «التّصويب والتخطئة» بين متشدّد ومعتدل ومتساهل، فهي في معاناة، وهجران، وتنكيل من أعلى مستويات الخطاب السّياسيّ، والثّقافيّ، والإعلاميّ، بل «الأدبيّ»!
في سياق كهذا، لا يتوقّف عن إحكام حصاره وهجومه على «العربيّة»، يمسي الحديث عن «التّوسّع والتّوسيع والتّسهيل والتّحديث» مدخلاً إلى «التّضييع»؛ إنّ فتح النّوافذ والأبواب على «رئة سليمة»، ليس كفتح النّوافذ والأبواب على «رئة مريضة»، والرّئة المريضة هنا ليست «رئة اللّسان العربيّ»، بل رئة مستعملها ومستخدمها!
ولأنّني شخص حسّاس جدّاً -أو هكذا أزعم!- من «السّلطة»، فإنّ تساهلي وتشدّدي يتناسب وموقع «المتكلّم أو الكاتب» من «السّلطة»؛ فلا أخطِّئ قول «منزوعي السّلطة» من «عامّة الشّعب» وكتابتهم إلّا حين يؤدّي الخطأ إلى «مشكلة دلاليّة وفهميّة وإفهاميّة»، أمّا من لهم حظّ من «السّلطة»؛ سياسيّة واجتماعيّة وثقافيّة، فأميل إلى «التّشدّد» معهم، وأضيّق ما أراه واسعاً لغة ولساناً؛ فحين تكتب «جهة رسميّة»: «أنتي»! أرى ذلك من الفساد والإفساد، والعيب الفاضح الّذي لا أتكلّف لتخريجه وتسويغه أدنى كلفة!