يقول الله تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرءان) الإسراء:60،
لقد رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج بعض الآيات التي كانت فتنة للناس، فهُم بين مُصدِّق، أو مُنكِر، أو قادح، ومن بين الآيات الكبرى التي رآها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة العظيمة رؤيته للشجرة الملعونة في القرآن.
وقد اختلف المفسرون في تحديد هذه الشجرة الملعونة في القرآن، لكنّها ليست منفصلة عن رحلة الإسراء والمعراج بحال، بل إنّها تضيف إلى الرحلة معرفة وغيبًا ويقينًا.
– فما هذه الشجرة الملعونة في القرآن؟
– وبأيّة صيغةٍ لُعِنت؟
– ومن الذي لعنَها؟ ولماذا؟
إننا عندما نعود إلى القرآن الكريم، ونُفتِّش عن شجرة حقيقية تَمَّ لعنها في القرآن، لا نجد هذه الشجرة، وعند الرجوع لأقوال المفسرين نجد كلاماً عن شجرة الزقوم، حيث يرى بعضهم أنها هي الشجرة الملعونة في القرآن!
وهذا كلام لا نسلِّم به، فهو مجرد تأويلات لا تكاد تجد ما تتقوَّى به من الأدلَّة، ونحن بحاجة إلى إعادة التدبّر والتأمّل في قوله تعالى: (أذلك خير نزلًا أم شجرة الزقوم * إنا جعلناها فتنة للظالمين * إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رءوس الشياطين) الصافات:62-65.
فليس في الآيات ما يشير من قريب أو بعيد إلى أنّ شجرة الزقوم ملعونة، ولم يرِد في كلِّ القرآن الكريم لعنٌ لها، بل هي من جنود الله تعالى، يعذِّب بها الكافرين والمجرمين، وحالها كحال النار، والجحيم، والمُهْل، ومقامع الحديد، وسرابيل القطران، وخزنة جهنم… (ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزًا حكيمًا) الفتح:7، (وما يعلم جنود ربك إلا هو) المدثر:31.
إنَّ شجرة الزقوم لم ترتكب ذنباً لتُلْعَن به، وهي طعام الأثيم لأهل النار، (إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون) الدخان:43-45، ولذا فلا نستطيع أنْ نُسلِّم بلعنها.
إذنْ فما هذه الشجرة الملعونة في القرآن؟
– جاء في تفسير أبي القاسم الكعبي البَلْخي: (والشجرة الملعونة في القرآن يجوز أنْ يكون المُراد بها الكفار).
– وفي تفسير أبي بكر الأصمّ: (الشجرة الملعونة في القرآن هي اليهود).
– وفي زاد المسير لأبي الفرج بن الجوزي يُورِد ثلاثة أقوال في تفسير الشجرة الملعونة، أحدها: (إنّ الشجرة كناية عن الرجال)..
– وبهذا قال الماوردي في تفسيره (النكت والعيون): (الشجرة الملعونة في القرآن: إنّها اليهود، وإنَّ الشجرة كنايةٌ عن المرأة، والجماعة أولاد المرأة، كالأغصان للشجرة).
وهذه أقوال تستريح لها النفس، فاليهود شجرةٌ ملعونةٌ في القرآن الكريم بصورة واضحة، إذ يقول الله تعالى: (لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) المائدة:78.
والناس في حياتهم يستخدمون كلمة: (شجرة) للتعبير عن النسل والتفرع، وقد عبَّر القرآن الكريم عن الإسلام بالشجرة الطيبة: (ألم تر كيف ضرب الله مثلًا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) إبراهيم:24-25، فلا عجَب أنْ يُعبّر عن اليهود بالشجرة الملعونة.
إنَّ تعبير القرآن الكريم عن هذه الرحلة بالرؤيا وليس الرؤية – لأنّ الرؤية تدل على إبصار الحاضر، بينما الرؤيا تدل على إبصار المستقبل – يدلُّ على أنّ رؤيا النبيّ صلى الله عليه وسلم لليهود (الشجرة الملعونة) في هذه الرحلة كان بمثابة كشفٍ غيبيٍّ لما سيقترفه اليهود في الأرض المقدّسة، وما سيقترفونه مع أمة الإسلام على مدى القرون، وهو ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يحدثنا عن الشام، وعن الأرض المباركة فلسطين، وعن الأقصى، وبيت المقدس، ويحثُّ المسلمين دائماً على الصبر والرباط، والدفاع عن هذه الأرض، لأنه رأى بعينيه ما ينتظر الأرض المباركة فلسطين، وهذه الأمة من أذى اليهود.
وهو نفسه ما نبّهَنا إليه القرآن الكريم في قوله تعالى عن اليهود: (لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون) آل عمران:111، فالمواجهة مع اليهود حتمية، والصراع طويل، لكن النصر للفئة المؤمنة.
د. نصر فحجان – غزة