وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ.. لماذا؟
يقول الله تعالى:
{وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ} البقرة/ 154.
إنها آية تستوقف كل مُتدبّر للقرآن الكريم، فلا يستطيع أن يمُرَّ عليها دون أن يتفكر فيها وفي أسرارها العظيمة، فيفهم المُراد من النهي فيها، ويعي حقيقته وحكمته، ويعلم طبيعة الحياة التي تتحدث عنها الآية الكريمة، ويجد إجابات شافية للأسئلة التالية:
1- لماذا لا يجوز أن نقول لمَن يُقتل في سبيل الله أموات؟
2- ما طبيعة حياة الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله؟
3- لماذا نقول عن الذين لم يُقتلوا في سبيل الله من المؤمنين أموات؟
ما هو الموت عند البشر؟
الموت عند البشر هو انفصال الروح عن الجسد، والحالة التي تكون فيها الروح خارج الجسد هي حالة الموت، وهذه الحالة تحدث للإنسان مرّتين كما في الآية:
{وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} البقرة/ 28.
فالموت يكون مرتين، والحياة تكون مرتين:
فأمّا الموت الأول:
فيكون للأرواح قبل أن تأتي بها الملائكة وتنفخها في أجساد الأجنّة وهي في بطون الأمهات عند تمام الشهر الرابع، أما قبل نفخها في الأجساد فتكون الأرواح في حالة موت، وهو ما جاء واضحًا في الحديث الشريف عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إنَّ أحدَكم يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بطنِ أمِّه أربعينَ يومًا نطفةً، ثم يكونُ علقةً مثلَ ذلك، ثم يكونُ مضغةً مثلَ ذلك، ثم يبعثُ اللهُ إليه ملَكا، ويُؤمرُ بأربعِ كلماتٍ، ويُقالُ له:
اكتبْ عملَه، ورزقَه، وأجلَه، وشقيٌّ أو سعيدٌ؛ ثم يُنفخُ فيه الروحَ…).
والموت الثاني:
ويكون عند خروج الأرواح من أجساد البشر في نهاية أعمارهم وآجالهم، حيث تنفصل الأرواح عن الأجساد فتكون في حالة موت.
وأمّا الحياتان اللتان يحياهما البشر فهما:
الحياة الأولى:
وهي هذه الحياة التي يحياها الناس والمعروفة بالحياة الدنيا، حيث تكون الأرواح في الأجساد، وتمتد هذه الحياة من لحظة نفخ الملائكة للروح في جسد الجنين وهو في رحم أمه، إلى أن يخرجها مَلَك الموت من الجسد عند نهاية العمر.
الحياة الثانية:
وتكون بعد أن يبعث الله الناس يوم القيامة، حيث يَرُدُّ أرواحهم إلى أجسادهم، وفي هذه الحياة يكون المؤمنون في الجنة، والكافرون في النار، يقول الله تعالى:
{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} غافر/ 11.
والمؤمن عندما يموت فإنّ روحه تخرج من جسده، فتحملها الملائكة إلى الجنة، والكافر عندما يموت فإنّ روحه تخرج من جسده، فتحملها الملائكة إلى النار، ففي الحديث الشريف عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إِنَّ العبدَ المؤْمن إذا كان في انْقِطَاعٍ من الدُّنْيَا، وإِقْبالٍ من الْآخِرَةِ، نزل إليه من السَّمَاءِ ملائكةٌ بِيضُ الوجُوهِ، كأَنَّ وجوهَهُمُ الشمسُ، معهُمْ كفنٌ من أكْفَانِ الجنَّةِ، وحَنُوطٌ من حَنُوطِ الجَنَّةِ، حتَّى يَجْلِسُوا منه مَدَّ البَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ المَوْتِ حتَّى يَجلِسَ عندَ رأسِه فيَقولُ: أيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إلى مغْفِرةٍ من اللَّهِ ورِضْوَانٍ…، وإنَّ العبدَ الكافِرَ إذا كان في انقِطاعٍ من الدنيا، وإقبالٍ من الآخِرةِ، نزل إليه من السَّماءِ ملائكةٌ سُودُ الوجُوهِ، معَهُمُ المُسُوحُ، فيجلِسُونَ منه مَدَّ البَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الموتِ حتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: يَا أيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إلى سَخَطٍ من اللَّهِ وغَضَب…).
د. نصر فحجان – غزة