مقالات

د. نصر فحجان يكتب: تأكل مِنسأته

يقول الله تعالى:

{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}

سبأ/ 14

هذه الآية تتحدث عن موت سليمان عليه السلام، والمشهور في كتب التفسير أنه مات وهو يتكئ على منسأته، وأنّ دابّة الأرض ظلّت تأكل منها سنة كاملة ولا أحد يعلم بموته، إلى أن نخَرتها، فخَرّ ووقع، وعندها فقط عرف الناس المحيطون به أنه مات عليه السلام.

هذا ما يوجد في كتب التفسير، وتتناقله الأجيال بعد الأجيال، ويتعلمه التلاميذ والطلبة في المدارس والجامعات، ويُعَلِّمه الوعاظ للناس في المساجد، وهو بلا شك أمرٌ غير مقبول، وغير منطقي، ولا دليل عليه من القرآن الكريم والسُّنة الصحيحة واللسان العربي السليم، ولا يحتمله السياق، وهو يدعو للدهشة والاستغراب! فكيف يُمكن لأحد القول بأنّ سليمان عليه السلام قد ظلّ مَيتًا سنةً كاملةً، وهو واقف يتكئ على منسأته، دون أن يعلم بموته أحد؟

وهو ما يستدعي مزيدًا من النظر والتأمُّل وإعادة التدبر لهذه الآية الكريمة.

■ مُعطيات ودلالات:

1- إنّ سليمان عليه السلام رجلُ دولة، وهو مَلِك ونبي، وإنّ غيابه عن إدارة مُلكه، وتكاليف النبوة، من شأنه أن يُلفت الأنظار لغيابه منذ اليوم الأوّل، ومنذ الساعات الأولى، فكيف يمكن قبول أو تصديق أنه ظل ميتًا لسنة كاملة دون أن يفتقده أحد؟!

2- سليمان عليه السلام ليس رجلَ دولة ومَلِكًا فقط، بل كان قاضيًا يقضي بين الناس، ومن الطبيعي أن الناس والمتخاصمين سيأتونه ليقضي بينهم، وسيفتقدونه إن غاب، وسيسألون عنه، ما يجعل التصديق بأنه ظل ميتًا لسنة كاملة دون أن يعلم بموته أحدٌ ضَربًا من المستحيل.

3- لقد كان سليمان عليه السلام زوجًا، وأبًا، وعنده بيت، وأسرة، وأقارب، وأرحام، وعنده معاونون وخَدَم؟

فهل يُعقل أنّ كل هؤلاء الذين يعيشون معه ويعيش معهم لن يعلموا بموته إلا بعد سنة؟، أَلَم يأتوا له بالطعام؟

أَلَم يتفقدوا نومه وراحته؟

أَلَم يفتقده أحد؟

أَلَم يسأل عنه أحد؟

أَلَم يشهر أحدٌ بغيابه عن العبادة؟

فعل يُعقل هذا؟

هل يُعقل أن تظلّ دابّة الأرض تأكل منسأة نبي الله سليمان عليه السلام، وتنخر فيها سنةً كاملة إلى أن يخرّ على الأرض فيعرف الناس والجنّ أنّه مات؟

إنّ الآية الكريمة لا تشير إلى هذا، لا من قريب ولا من بعيد، بل إنها تشير إلى سرعة وفورية معرفة المحيطين بسليمان عليه السلام أنّه مات، يقول الله تعالى:

{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} سبأ/ 14.

د. نصر فحجان

عميد‏ ‏كلية دار الدعوة والعلوم الإنسانية‏.. ومحاضر دراسات إسلامية - غزة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى