مقالات

د. نصر فحجان يكتب: {جِئنا بِكم لفيفا}

قول الله تعالى: {جِئنا بِكُم} يُوحي بأمرين:

الأوّل:

إنكم يا بني إسرائيل قبل وعد الآخرة لم تكونوا في الأرض المباركة فلسطين، بل كنتم في الشتات أمماً مُقطّعين في الأرض من بعد زوال إفسادكم الأوّل، وهو ما حدث فعلاً، فقد بدأ تجمُّع اليهود في فلسطين منذ بداية القرن العشرين وحتى الآن.

الثاني:

{جِئنا بِكم}: الفاعل في المجيء هو الله تعالى، فأنتم لم تجيئوا، بل جيء بكم، وإن هذا المجيء بكم إلى الأرض المباركة فلسطين هو من مشيئة الله تعالى، وحكمته، وعلمه، فما كان لكم أن تدخلوا فلسطين لولا مشيئة الله تعالى لتحقيق وعد الآخرة:

{للهِ الأمرُ مِن قَبلُ ومن بَعدُ} الروم/4

وقوله تعالى: {لفيفًا}: له دلالاتٌ مختلفة، منها:

١- إن بني إسرائيل كانوا قبل وعد الآخرة متفرِّقين في أماكن مختلفة، لا أرضَ تجمعهم، ولا كيان يضمّهم، كما قال عزّ شأنه:

{وقطَّعنـٰهُم في الأرضِ أُمَما} الأعراف/168، فجاء الله بهم {لفيفًا}، أي تجميعاً بعد تباعدٍ وتفرُّق.

وقد جاء في المعجم الوسيط:

(لفَّ الشجرُ لفًّا) أي التفَّ واجتمع، والتفَّ الشيءُ، أي تجمَّع وتكاثف، ونقول:

التف الشجر بالمكان، أي كثُر وتضايق، والتف عليه القوم: اجتمعوا عليه).

إن كلّ هذه التراكيب، والاستخدامات اللغوية، تُوحي بمعنى التجمُّع والتجميع لبني إسرائيل من أماكن شتى، وهذا فعلاً ما نراه في الواقع، فقد تجمَّع اليهود في فلسطين قبل سنة 1948م وبعدها من كل مكان، من الشرق، ومن الغرب، فنجد أن يهوداً قَدِموا من الاتحاد السوفيتّي، ومن أفريقيا، ومن أوروبا، ومن البلاد العربية، ومن الأمريكيين، ومن كل جهات العالم.

٢- كلمة: {لفيفًا}: فيها معنى الكثرة والخلط:

جاء في المعجم الوسيط (لف الرجلُ في الأكل: إذا أكثر وخلَّط).

وقد رأينا معنى الكثرة فعلاً خلال الهجرات اليهودية المتكررة إلى فلسطين، حتى وصل عددهم في سنة 1948م إلى أربعة ملايين

ومع هذه الكثرة، فقد كانوا مخلَّطين من أصولٍ مختلفة، وقد أحصى بعض العلماء قوميّاتِهم ولغاتهم، فوجدوهم ينحدرون من سبعين قوميةً، ويتكلمون بتسعين لغة.

٣- كلمة: {لفيفًا}: توحي بالبُطء والتثاقُل:

 وهو ما أشار إليه المعجم الوسيط: (لف الرجل) إذا بطؤ وتثاقل.

وهذا ما حدث فعلاً في الهجرات اليهودية إلى فلسطين، فهي لم تكن مرةً واحدةً، أو دفعة واحدة، بل كانت هذه الهجرات على دفعاتٍ كثيرة، وسنواتٍ عديدة، ولا تزال هذه الهجرات مستمرة، حتى يقضي الله قريباً أمراً كان مفعولاً.

٤- كلمة: {لفيفًا}: فيها معنى الالتواء:

ففي المعجم الوسيط: (لف: أي اِلتوى عِرقٌ في مساعده).

إن كل من يتأمل الهجرات اليهودية إلى فلسطين يجد أنها كانت بطرق مُلتوية، وغير شرعية، فقد سيطروا على فلسطين بمساعدة الاحتلال البريطاني الذي كان يحتل فلسطين، وهم الذين وَعدوا اليهود بمنحهم فلسطين وطناً قومياً لهم.

وإن كلّ هذه المعاني والإشارات تجعلنا على يقينٍ راجح من أنّ الإفساد الذي نراه الآن لبني إسرائيل في فلسطين المباركة هو الإفساد الثاني والأخير الذي عبَّرت عنه الآية الكريمة:

{فإذا جآء وعد الآخرةِ جِئنا بِكم لفيفًا} الإسراء/104.

د. نصر فحجان – غزّة

من كتابه/ وَعد الآخِرَة – زوال لا إبادة

د. نصر فحجان

عميد‏ ‏كلية دار الدعوة والعلوم الإنسانية‏.. ومحاضر دراسات إسلامية - غزة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights