مقالات

د. نصر فحجان يكتب: فطفق مسحًا بالسُّوق والأعناق

يقول الله تعالى:

{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} 33-31.

تتحدث الآيات عن حضور سليمان عليه السلام لعرضٍ عسكري لبعض أركان جيشه، حيث الخيول الصافنات الجياد، ليطمئن على تدريبها وقدراتها، واستعدادها، وفنون القتال عندها، فجاء جنوده بالخيول:

{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} ص/ 31، يَعرضون عليه حركات خيوله وقدراتها العالية، فهي (الصَّافِنَاتُ) إذا نامت أو استراحت، فلا تنام ولا تستريح إلا وهي واقفة، ترفع أحد قوائمها وتتكئ بحافره على الأرض، وهي (الْجِيَادُ) تُقدّم أفضل ما عندها من العَدو والإقدام، فكيف بها اليوم ونبيُّ الله سليمان عليه السلام يتفقدها بنفسه، ويرى عَدوَها ويسمع ضَبحها.

وقد اختار سليمان عليه السلام لهذا العَرض وقت (العشي)، وهو ساعات النهار الأخيرة، حيث تكون الشمس قد ضعفت، وانكسرت حرارتها وأشعتها وقوتها، لئلا تتأثر الخيول بشدة الحرّ، وستكون رؤية فقرات العرض أوضح.

وبدأ العرض، وبذلت خيول سليمان عليه السلام من الجهد ما أرضاه عنها، وقدمت من الفنون ما أعجبه، وظلت تعدو وتعدو إلى أن توارت بالحجاب، وغابت عن الأنظار بسبب ابتعادها وما يحجبها من الغبار الذي تثيره وراءها.

عندئذ عبَّر سليمان عليه السلام لمن حوله عن سعادته بهذه الخيول المدرَّبة، وهذا العرض الجميل، وعبر عن حُبِّه الكبير لهذا الخير الذي يراه، سواء في الخيول نفسها، أو فيما رأى عندها من الفنون القتالية التي يطمئن لها القلب، وتنشرح لها النفس، فقال:

{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي} ص/ 32، فكل مشاعره ترتبط بذكره لربه، وتأتي نتيجةً لأخذه بأوامر ربه، ولذا فهو قد أمر جنوده بأن يردُّوا خيوله عليه، فقال:

(ردُّوها عَلَيَّ)، وذلك ليكافئها، ويشجعها، ويعبِّر عن رضاه عنها، وحبِّه لها، وهو قوله تعالى:

{فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} ص/ 33، أي أخذ عليه السلام يمسح على سُوقِها وأعناقها بيده، إشعارًا منه بحبِّه لها، ورضاه عنها، وعن أدائها، وهذه عادةُ كل مَن يعرف أطباع الخيول ويقوم بتربيتها وتدريبها وترويضها.

د. نصر فحجان

عميد‏ ‏كلية دار الدعوة والعلوم الإنسانية‏.. ومحاضر دراسات إسلامية - غزة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى