لدينا في الصّحيح ما يُغنينا عن الضّعيف والموضوع:
في ذكرى الهجرة النبوية المشرّفة، وبعد الاطّلاع على بعض الدراسات المتخصصة، أُلفِت النظر إلى ضرورة تحرّي الروايات الصحيحة عند الحديث عن هذه الهجرة العظيمة التي كانت تحوّلاً حقيقيًا نحو القوة وصناعة الدولة، ونقول:
أولًا:
قصة خروج النّبي صلى الله عليه وسلّم من بين المشركين، وهو ينثُر عليهم التراب ويتلو آياتٍ من سورة (يس) باطلةٌ لم يرد فيها إسناد صحيح، ثم هي منكرةٌ لمخالفتها لما في الصحيح، حيث خرج الرسول عليه السلام من بيت أبي بكر سرًّا في وقت الظهيرة.
ثانيًا:
قصة ثعبان الغار الذي لدغ أبا بكرٍ رضي الله عنه بعد أنْ سدّ جحره بقدمه: لم يرد فيها إسنادٌ صحيح، بل هي ما بين ضعيف، وموضوع، ولا تصلح للاستدلال بها.
ثالثًا:
لا يصحُّ حديثٌ في العنكبوت الذي قيل إنه نسج خيوطه على باب الغار، ولم يصحّ شيءٌ في قصة الحمامتين اللتين قيل إنّهما كانتا ترقدان على باب الغار، بل هي أحاديث ضعيفة أو ضعيفة جدًا.
رابعًا:
الخبر الذي يفيد اجتماع إبليس – في صورة شيخٍ نجدي- مع أهل مكة، للتشاور والكيد للنّبي صلى الله عليه وسلم: هو بجميع طرقه لا يرتقي إلى درجة الضعيف، ولا يصلح للاستدلال به، فأسانيده ما بين ضعيف جدًا وموضوع.
خامسًا:
ما اشتُهر بين الناس، أنّ أَسَمَاء بِنْت أَبِي بَكْرٍ كانت تذهب بالطعام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى أبيها عندما كانا في الغار، ورد من روايات ضعيفة جدًا، ومنكرة، وتعارض الروايات الصحيحة، والتي تفيد أنّ أسماء وعائشة رضي الله عنهما قد أعدّتا الزاد للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر رضي الله عنه، قبل خروجهما من بيت أبي بكر، وأنّ أسماء عندها شقّت نطاقها وربطت به الزاد وسُمّيت بذات النطاقين، وأنّ عامر بن فهيرة هو الذي كان مكلّفًا بتوصيل الزاد للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار.
سادسًا:
قصة سُراقة ومطاردته للنبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة، وما حدث لفرسه ثابتٌ في الصحيح، وما روي من قول النبي صلى الله عليه وسلم له: ارجع ولك سواري كسرى: لا أصل له، أمّا ما روي من أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألبسه سواري كسرى، فكلّه ورد من طرقٍ واهية.
سابعًا:
الحديث الذي يفيد استقبال النبي صلّى الله عليه وسلّم عند قدومه المدينة بالنشيد المعروف: طلع البدر علينا، إسناده ضعيف، والذي جزم به كثيرٌ من العلماء: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم استُقبل بهذا النشيد عند قدومه إلى المدينة راجعًا من غزوة تبوك.
ثامنًا:
الأحاديث التي أفادت مبيت عليٍّ في فراش النبي صلى الله عليه وسلم، وردت من طرق موصولة، كلها ما بين ضعيف جدًا، ومنكر، وضعيف، ومن طرق مرسلة أصح من الموصولة، ولم يرد من أيّ طريق صحيح أنَّ: عليًّا رضي الله عنه أوذي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم، وإنّما وَرَدَ ذلك من طرق ضعيفة، أو منقطعة، وكذلك فيما يتعلق بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لعليٍّ بِرَدّ الأمانات إلى أهل مكة لم يَرِدْ من أيّ طريق صحيح.
المراجع:
* سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة – الألباني
* ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية – محمد بن عبد الله العوشن.
* الروايات الواهية في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأثرها على الأمة – سميحة الأسود.
والله تعالى أعلى وأعلم
د. نصر فحجان – غزة